مجددا: لبنان الى اين؟
كل ما يجري في هذا البلد يحمل نُذر حرب اهلية ادواتها اصبحت شبه مكتملة, ولا ينقصها الا الشرارة, فيما الجميع يحمل مشاعله ويلوح بها في وجه الاخر.
كان من الممكن ان يتفادى اللبنانيون تجرع مرارة كأس الحرب لو عملوا منذ البدء على كبح استكبار “حزب الله” عليهم مستقويا بسلاحه الذي بات اليوم في ظل تسويات كبرى تتجه اليها المنطقة مرعوبا على مصيره, مستعدا للانتحار ونحر اللبنانيين ايضا في سبيل ان يبقي على شيء من تحكمه بالدولة العاجزة المستسلمة له.
دولة تقبل على نفسها ممارسة دورها الامني بالتراضي وبالتسويات, بعدما تركت مدنها وضواحيها تتحول مربعات امنية تحكمها جماعات مسلحة وعصابات خطف وقتل…
دولة غارقة في فراغ حكومي بسبب العناد والكيدية العبثية, مشرعة الحدود على تهريب السلاح والمخدرات, فيما قبضة الانهيار الاقتصادي تقرع الابواب بشدة. دولة كهذه لن تستطيع مواجهة دويلة اصبحت اقوى منها, ما دفع بالطوائف الخائفة على مصيرها, الى التسلح حماية لنفسها ولبلد لها فيه اكثر مما لهذا الحزب المأجور لايران.
هذه صورة لبنان اليوم, وهي لا تختلف كثيرا عنها في العام 1975, يوم اندلعت الحرب الاهلية التي دامت 17 عاما.
امام هول الفراغ الداهم, رئاسيا وحكوميا وتشريعيا, لم تعد هناك سلطة او مؤسسة قادرة على حماية الناس, اما في ما يتعلق بالجيش المنهك من الفصل بين المتقاتلين في اكثر من مدينة فانه بات اقرب الى التشرذم من اي وقت مضى جراء الاختراقات والعجز في مواجهة تسلط الدويلة على الدولة.
رغم هذا الوضع المخيف استنسب زعماء سنة البقاء في الخارج, مستقيلين من دورهم الوطني, تاركين طائفتهم التي كانت طوال القرون الماضية طائفة الاعتدال والتوازن بين مختلف اطياف المجتمع عرضة للغبن والابتزاز والقمع المذهبي, ما حولها اشبه ببرميل بارود وليس عنصر توازن وطني.
ففي حين يعمل “حزب الله” المنتشي بدماء السوريين ويستثمر ارهابه وجرائمه ضد الانسانية في فائض قوة ضد اللبنانيين, فإنه يسعى إلى قلب المشهد معرضا الطائفة السنية لواحدة من ابشع عمليات العزل من خلال اتهامه لها بالارهاب والتطرف, فيما الارهابي الحقيقي والمتطرف والمسلح الى اسنانه لا يحاسب على افعاله.
القلق على المصير لم يعد محصورا في الطائفة السنية او معارضي “حزب الله” انما يطال الدروز والمسيحيين الذين يدفعون ثمن التعلق بأرضهم ما دفع ببعض القوى المسيحية الى التسلح ليقينها ان ما يعمل عليه “حزب الله”, اكبر بكثير من مخاطر الماضي, وبدأت تدعو الى المواجهة علنا بعدما وجدت ان الرهان على تفاهمات قوى مسيحية اخرى مع هذا الحزب لم تؤد الى اي مكان, بل زادت الغبن والقهر وساهمت بنشر البطالة في صفوف المسيحيين الى حد لا يطاق.
يمكن للبنانيين منع بلدهم من الوقوع في فخ الحرب الاهلية من خلال اعادة تعويم مؤسساتهم, أكان بتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية, وايضا بعودة من يفترض انهم زعماء الطائفة السنية والوقوف الى جانب جماهيرهم, ومواجهة “حزب الله” لانهاء هيمنته على الدولة, فلا يكتفون بادارة معاركهم السياسية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي من على الشواطىء الاوروبية.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق