عبداللطيف الدعيج: أهداف جديدة .. وقود جديد

مقال الخميس الماضي «شباب وشياب» بدا وكأنه مكتوب للتعليق على البيان الذي أصدره بعض الشباب التابع أو المندمج مع جماعة المقاطعة. لكن الواقع أنني كتبته قبل ذلك، وقبل أن اطلع على البيان الشبابي. لذلك هو ليس تعليقاً على البيان كما يبدو، وإن كنت لا أشك في أنني تلمست ربما تذمر الشباب أو بدايات تمردهم على «التويتر»، فاستوحيت المقال.

لا أعتقد أن الشباب محقون في انتقادهم، وهذا ليس نقداًَ أو رفضاً كالذي جوبهوا به من قبل ربعهم وأنصارهم، بل مجرد استدراك وتعريف لطبيعة الأزمة بين هؤلاء الشباب وجماعة المقاطعة. لقد بدأ الشباب حملة «ارحل» التي صادفت هوى عند الكثير من النواب، البعض بفعل حماس ذاتي والأغلبية – والله أعلم – استجابة لمطالب وأوامر بعض الجهات، التي هي على خلاف مع الشيخ ناصر أو تسعى بالأساس لإزاحته. وعلى هذا تشكلت كتلة المقاطعة بنوابها وشبابها وبهدف واضح ومحدد وهو إقصاء الشيخ ناصر المحمد. لكن مع كثافة الحملة وبدايات تباشير نجاحها، خصوصاً بعد انضمام الشيخ محمد الصباح لها (بشكل غير مباشر)، تغيرت لهجة وحتى أهداف الكتلة. وأصبحت لها مطالب يعتقد من يرفعها أنها إصلاحية وجذرية، أيضاً. هذه المطالب لم تكن بالأساس ضمن الأهداف التي تشكلت بموجبها الكتلة. لهذا، فإن أهملها النواب أو لم ينظر إليها بعضهم بجدية، فهذا طبيعي، وضمن القدرات والرغبات الحقيقية للبعض الذين كان هدفهم المعلن والواضح هو إقصاء الشيخ ناصر وحسب. لهذا فإنني أعتقد هنا أنه ليس من حق الشباب لوم من تخلى عن أهدافهم أو بالأحرى لوم من توقف عند إقصاء الشيخ ناصر، فهذا كان الهدف وهذا كان المحرك الوحيد للبعض.

مرة ثانية نعود للمقارنة مع حملة شباب «نبيها خمس»، هذه الحملة رفعت هذا الشعار، أي شعار تعديل الدوائر الخمس والعشرين إلى خمس، وتوقفت تماماً عنده. فبعد تحقيق الشعار وانتصار الحملة انسحب الشباب، بل إن أغلبهم أوقف نشاطه السياسي. ربما يقال إن استمرار شباب «نبيها خمس» كان ضرورياً، وأنهم أخطأوا بالانسحاب.. ولكن يبقى السؤال الأساسي: على ماذا.. وإلى أين؟ حركة «نبيها خمس» تشكلت لهدف محدود، وهو إصلاح النظام الانتخابي، ولم يكن لدى أفرادها طموح أو حتى قدرة على تحديد طروحات إصلاحية أخرى، خصوصاً تلك التي تمس النظام السياسي والبنى والمؤسسات الاجتماعية التي تفرزه.

شباب المقاطعة في رأيي اندفعوا خلف الأحداث ولم يصنعوها. والأحداث أو المطالب التي رفعوها هذه الأيام أكبر من المرحلة وأكبر كثيراً من معظم المشاركين في حملة «ارحل». هذا ليس رفضاً أو محاولة لثني الشباب عن رفع سقف المطالب أو التطلع إلى الإصلاحات السياسية الضرورية، لكنها إشارة مهمة إلى ضرورة الدخول في مرحلة جديدة، وإلى طرح أهداف غير أهداف «ارحل». مرحلة «ارحل» انتهت بأهدافها وبوقودها، والمطلوب توفير وقود جديد للحملة الجديدة. هذا الوقود لن يجده الشباب لدى جماعة المقاطعة، فهؤلاء «دقة قديمة» لا يتناسب ما لديهم والأدوات والأهداف العصرية التي يحملها الشباب. لهذا، فإن على شباب المقاطعة، إن كانوا جادين في الإصلاح، أن يبدأوا من الأساس، وأن يختاروا من القوى السياسية أو النواب من يتوافق والأهداف الجديدة التي يحملون، أو يختصروا الأمور ويلجأوا إلى أنفسهم فهم الأنسب لتفعيل وتحقيق المطالب التي يرفعون، فليس من المعقول أن يقود الشباب «بورش» وأن يطلبوا الوقود ممن أفضل ما لديه برسيم.

***

الجلد «التويتري»

بعد التحرير مباشرة ظهرت جماعة تابعة على ما يبدو لتنظيم «القاعدة» أو القريبين منه. هذه الجماعة التي ربما كانت أفراداً قليلة، تخصصت في حملات إعلامية فريدة من نوعها. استهدفت هذه الحملات الصحف كما استهدفت نواب مجلس الأمة. صحفنا كانت تنشر أخباراً أو صوراً أو مقالات يراها هؤلاء «القاعديون» غير سليمة أو تتناقض والدين والعادات والتقاليد… إلخ. فيجتمعون في ديوانية أو مكان ما، أو ربما كل على حدة. ويبدأون بالاتصال مراراً وتكراراً بالصحيفة، وتغيير أصواتهم وأسلوب مخاطبتهم في كل مرة بحيث يعتقد من يتلقى الاتصال أن هناك المئات وربما الآلاف من القراء غاضبون، لأن الصحيفة نشرت صورة شبه عارية أو مقالاً لكاتب لم يعجب ما طرحه الجماعة. الكثير من مديري وسكرتاريي التحرير ممن كانوا يتلقون الاتصالات أصبحوا ضحية لهذه الجماعة وصدقوا بوجودها. أذكر أنني لمت أحدهم على عدم نشر خبر مهم فعلل ذلك بأنه لا يريد وجع راس، ولما استفسرت عن وجع الراس رد بأنه «بكرة بتشتغل علينا التلفونات»!

وبلغت سطوة المجموعة مداها حين استهدفت نواب مجلس الأمة أثناء حملة استجواب الشيخ سعود الناصر، الله يرحمه، على خلفية الكتب الممنوعة. فقد ظن نواب الأمة أن الديرة بأكملها معنية بالأمر، في حين أن من صور لهم ذلك كانوا أفراداً معدودين تناوبوا الاتصال بمنازلهم وتلفوناتهم الخاصة. أنا تعرضت عبر التلفون وعبر البريد – أيام ما كان عندنا بريد – إلى إرهاب هذه المجموعة لكنني كنت محظوظاً، حيث إن الجماعة عند أحد اتصالاتهم أصروا جميعاً على مناداتي بلقب «دكتور». ذلك عندما يحدث من شخص واحد ليس غريباً، فكثيرون لم يعلموا أنني لم أتحصل حتى على الشهادة الثانوية، لكن أن يأتي ذلك من أكثر من عشرة متصلين – هذا عدد الذين رديت عليهم – وعلى التوالي، فإن الأمر يثير الريبة، وبالتالي فضحهم بسهولة.

هذه المجموعة اختفت تماماً مع اعتقال جماعة «الجلد الصحراوي»، مما يعني أنهم بالفعل كانوا العشرة أو الخمسة عشر، أعضاء المجموعة. بعد اعتقال المجموعة، وحسب علمي، اختفت ظاهرة التلفونات والرسائل إياها.

هذه الأيام ومع ظهور «تويتر» نتعرض إلى مجموعة جديدة، المنهج ذاته والأسلوب ذاته، وربما الممول أو «المحتضن» ذاته أيضاً. فقد تم استهدافي قبل أيام بهجوم، واضح أنه منسق، حيث الجماعة يرددون الاتهامات نفسها والأكاذيب نفسها، بل إن بعضهم، هذا إن كانوا أكثر من شخص، يردد الكلام نفسه وبالطبع الاتهام عبر «رتويت». طبعاً مثل جماعة الجلد الصحراوي أنا اكتشفت أنهم مجموعة وأن تنسيقاً يجمعهم، لأنهم وبغباء هاجموني في يوم واحد وبالمعنى نفسه. طبعاً أنا أحياناً أتلقى شتائم وسباباً بالعشرات وربما بالمئات، أيضاً، تماماً مثل ما أتلقى مثيلها أو أكثر منها – والحمد لله – من المديح، وهذا ليس جديداً أو غريباً. لكن أن يلتقي أكثر من عشرة أشخاص يوم الرابع من يوليو لمهاجمتي على مقال أنا كتبته في 24/6 أي قبل عشرة أيام، فهذا ليس صدفة على الإطلاق. بل عمل منظم ولكنه أخرق ومكشوف، لأنه ليس هناك قارئ متابع أو سياسي مهتم يحمل هم التعليق على مقال قرأه قبل عشرة أيام، ناهيك عن أن يستذكر تاريخ ومكان صدوره ويضع رابطاً له!!!. وأيضاً، أول أمس رتابة الهجوم نفسه، فالكل معجب بعبارة أنني نزلت الانتخابات عام 1981، وتحصلت على أصوات معدودة. طبعاً الانتخابات تم العبث فيها لمصلحة التحالف السلطوي في ذلك الوقت، وحظي لم يكن أفضل من حظ الدكتور أحمد الخطيب وعبدالله النيباري وسامي المنيس وبقية القوى الوطنية الذين خسروا الانتخابات جميعاً. مع هذا، فإن الأصوات التي يستصغرها جماعة «الإعلام الطازة» تشكل تماماً عشرين في المائة من أصوات الفائز في ذلك الوقت.

لكن كل هذا ليس مهماً، المهم أننا «عورنا» ناساً كثيرين. وهدمنا خطط ومناورات من يعتقد أن الكويت ومؤسساتها هي إرث ومتاع له. الإعلام الطازة في بعض القنوات والصحف وعلى «تويتر» فقد أعصابه و«ضيع الطاسة»، هذا يعني أننا على الطريق الصحيح، وأن مخطط التأزيم والهدم يحتضر.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.