الإضرابات مسؤولية التيار الوطني

احمد عيسى
بإعلان النقابات تعطيل إضراباتها أول من أمس الثلاثاء تمهيداً لما ستسفر عنه الجلسة البرلمانية الخاصة المقرر عقدها اليوم لمناقشة الزيادات الحكومية، تكون الكويت عبرت واحدة من أشد الحوادث التي أثرت في سير مرافقها العامة بتاريخها الحديث بعد الغزو العراقي الغاشم 1990.
وبعيداً عن المزايدات الرخيصة التي حملها نواب في مجلس الأمة أو مسوغات مطالب نقابتي موظفي الجمارك والخطوط الجوية الكويتية فيما يتعلق بزيادة الرواتب والبدلات المالية، فقد كشفت أحداث الأسبوعين الماضيين أن الكويت تعاني انقلاباً في المفاهيم وتغيراً في القيم، بيّنا مدى المنحدر الذي بلغته الدولة، سواء على يد مشرعيها أو على يد موظفي بعض قطاعاتها.
فمن حق أي رب عمل أن يقرر ما يراه مناسباً من سلّم رواتب أو طبيعة عمل للوظائف التي يرغب من موظفيه شغرها، وبالتالي فإن رغبة أي من الطرفين (الموظف أو رب العمل) محكومة بإطار التعاقد بينهما، وبالتالي فإن موظفي القطاعين (الجمارك والكويتية) يعلمون تماما قبل تعيينهم مسمياتهم الوظيفية ومقابلها المادي ومستقبلهم الوظيفي، وعليه فإن أي رغبة في تعديل بنود هذا الاتفاق يجب أن تكون باتفاق الطرفين، ومثلما ليس من حق الدولة كونها رب العمل فرض ساعات عمل إضافية دون مقابل أو تغيير بيئة العمل، فإن على الموظف بالمقابل أن يتفق مع رب عمله على أي تغيير يرغب فيه من طرفه، وما عدا ذلك يعد خروجاً عن إطار الاتفاق، ناهيك عن أن المادة (26) من الدستور تنص على أن «الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة»، وبالتالي فإن إضراب موظفي «الكويتية» أو الجمارك وما ترتب عليه من آثار أضرت بالمواطنين بشكل مباشر خرج عن مفهوم الخدمة الوطنية، واستهداف المصلحة العامة.
يضاف إلى ذلك، قيام بعض الأطراف النيابية برعاية الخروج على سلطة الدولة، وهذه الأطراف سبق لها «شرعنة» مخالفات وجرائم مثل الانتخابات الفرعية واقتحام مجلس الأمة، بغرض فرض قيم جديدة على المجتمع بعيدة عن الوطنية والديمقراطية، عنوانها الأعرض: «بما أننا الأغلبية… فلنا الحق أن نفرض ما نريد»، وبالتالي فإذا كان هذا منطق سياسيينا الجدد فلا يمكن لوم النقابيين على الذين يشكلون الخط الثاني خلفهم.
إن مسؤولية ما حدث يتحملها التيار الوطني منفرداً، فهو من تخلى عن موقعه بالعمل النقابي، فشغلها بعده من يسيطرون اليوم على النقابات والاتحاد العام للعمال، وتكفي الإشارة إلى الوضع النقابي الحالي بما قاله رئيس أول اتحاد لعمال الكويت وأحد مؤسسيه حسين صقر من أن الوضع النقابي تطغى عليه الشخصانية والابتعاد عن المفاهيم النقابية السليمة التي تشكلت بموجبها الحركة النقابية بالكويت، كما جاء بحديثه لصحيفة «القبس» أغسطس الماضي.
الاتحاد العام لعمال الكويت أساء اليوم إلى نفسه وسيرة مؤسسيه حسين صقر ورفاق دربه حسين اليوحة والراحلين ناصر الفرج وسامي المنيس وآخرين من رجال الزمن الجميل، فقد اختزل اتحاد اليوم المفهوم النقابي بمطالب مادية وزيادة رواتب، بينما من سعوا إلى تأسيس الحركة النقابية في الخمسينيات والستينيات كان هدفهم حماية حقوق العمال، وساهموا بتأميم النفط ورفع الوصاية البريطانية عليه، وإقرار قوانين العمل والتقاعد وتحديد ساعات العمل، ووضع سلم درجات تضمن للموظفين الترقي وغيرها من مكتسبات، فشتان بين مساعيهم ومساعي من خلفوهم.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.