خليل حيدر: مجموعة الكواكب.. العربية

«الهوية العربية»، يقول بعض الكتاب، باتت في مهب الاسئلة! فهذه الثورات والتحولات لم تترك حجرا على حجر، واذا كانت الهموم السياسية والاقتصادية هي الطاغية الآن على العالم العربي وبلاد «التحولات الربيعية»، فإن الاسئلة الثقافية ستفاجئنا قريباً.. ان لم تكن كامنة!
بأي اتجاه مثلا ينبغي ان تسير مصر خلال الاعوام العشرين القادمة: هل لتحقيق مطالب واحلام الشعب المصري، وبناء اقتصاد وطني كبير منتج يوفر العمل والغذاء والدواء ويثري الشعب، ام ان تضع كل هذا جانبا لتواصل الاستجابة لمطالب العالم العربي؟ ثمة اليوم انقسام حاد في العالم العربي بين التيار الديني وجماعاته من جانب، والتيار الليبرالي والعلماني من جانب آخر. فأيهما الاقدر على حقيق النهضة الاقتصادية والديموقراطية السياسية وإلحاق هذه البلدان بالدول المتقدمة في عشر سنوات أو عشرين؟
هل العرب كتلة واحدة بحاجة الى نوع واحد من الدواء وتمارين متشابهة في العلاج الطبيعي والتأهيل، ام ان هذه الشعوب والدول في أوضاع مختلفة متفاوتة! العرب موجودون في الواقع بالطبع، وعددهم اليوم اكثر من 300 مليون. ولكن من هو العربي، من ناحية التعريف القاموسي والتحديد السياسي؟
فالبعض يعطي اولوية التعريف «للدم العربي» وبالتالي للأصل والقبيلة والعشيرة. وهكذا يخف تركيز هذا الدم والنسب، كلما اتجهنا غربا، حتى نصل طنجة مثلا، وجنوبا حتى نصل افريقيا الوسطى ودولة السودان الجنوبية الجديدة، التي انفصلت وادارت ظهرها للسودان الكبرى، ولعرب القبائل والثقافة او اي انتماء!
والبعض يعتبر كل مواطني البلدان العربية عربا، او عربا في الغالب. وبالطبع تغيرت الامور بعض الشيء خلال السنوات الاخيرة، وبرزت «قوميات داخلية»، كالكرد والامازيغ. ويتساءل الباحثون اليوم: هل تعطي شعوب العالم العربي الاولوية في مشاعرها وتفكيرها بمستقبلها وحاضرها، للانتماء الوطني.. ام الانتماء العربي؟ ام ان الشعورين سواء؟
ويشمل تعريف ثالث للعرب، الي جانب سكان العالم العربي، عرب المهجر كذلك. فيعتبر كل من يعيش اينما كان، ما دام في اطار الثقافة واللغة العربية، «عربيا». وبخاصة ان كان يستخدم العربية في حياته الخاصة وفي التعبير عن مشاعر الحزن والفرح والغضب والرضا! فالمهاجرون المصريون واللبنانيون والمغاربة واليمنيون يبقون عربا مادامت اللغة والثقافة العربية حية مستخدمة في منازلهم داخل اوروبا وامريكا، فإذا هجرت، انتقل هؤلاء الى «هوية جديدة»!
ولكن، هل كل من يتكلم الانجليزية كندي او امريكي او بريطاني؟ وهل شعوب العالم الناطقة بأي لغة.. امة واحدة؟
هل الانتماء القومي في ثقافتنا العربية اجبار ام اختيار؟ وهل ثقافتنا العربية تتسامح كالثقافة الهندية او الانجليزية مع التعددية القومية و«جيوب الاقليات» والانتماءات الضمنية، التي تبقى محافظة على موروثاتها اللغوية والقومية والمذهبية؟
هل اختيار مثل هذه التوجهات والانتماءات ضمن الحرية الفردية واختيار الهوية وضمن الحريات الديموقراطية، ام انها في ثقافتنا مثل الاطار الديني للفرد؟
«الوضع العربي اليوم»، يقول الكاتب «فخري صالح» في صحيفة الحياة، «مأزوم وتعصف بسفينته الرياح الهوجاء. فلا يعرف المثقفون واصحاب الرأى الحال الذي سيئول اليه العرب بعد عقود من اشتداد الصراع بين تيارات متعاكسة، والخيارات التي يطرحها عرب هذا الزمان على انفسهم.. العرب الذين عادوا، بعد ما يزيد على قرن ونصف القرن من زمان الاصطدام الدامي بالغرب، ليسألوا انفسهم اسئلة اولية من نوع: من نحن؟ وما علاقتنا بالماضي والحاضر والآخرين؟ والاهم من ذلك: ما علاقتنا ببعضنا البعض، دولا وشعوبا واثنيات وأعراقا واديانا ومذاهب وثقافات، وحتى جهات وقبائل وعائلات في الدولة الواحدة».
على صعيد آخر، يضيف الكاتب: «تيارات الاسلام السياسي ترغب في استعادة الماضي في صورة من صوره وهي غير متفقة في ما بينها.. اما التيارات المدنية فهي حائرة لا تستطيع بلورة تصور مقبول لعلاقة الذات العربية بنفسها وبالعالم، وهي لا تعرف كذلك كيف توفق بين ماضٍ لا يعود، وحاضر لا يقبل». (2013/4/25).
اما قطاع الشباب، يختتم كلامه، فهم «يبحثون عن موضعهم في مجتمعات همشتهم طوال عقود من الزمن، وعن الفرص الاقتصادية التي تتيح لهم العمل والتعليم والعيش الكريم والثقة بالمستقبل، وهم لا يجدون اجوبة لهذه الاسئلة لدى كل من يتصارعون على السلطة في العالم العربي».
ان حالنا يشبه المجموعة الشمسية! فالشمس تدور، والارض تدور، والكواكب الاخرى تدور.. وكل في فلك يسبحون!

خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.