دعاني قبل أيام أحد الأصدقاء لتناول العشاء في أحد الفنادق الخمس نجوم المطلة على البحر، في أثناء جلوسنا في صالة الاستقبال قبل الولوج إلى المطعم جاءتنا الموظفة المسؤولة عن خدمة النزلاء للسؤال عن طلباتنا، وكانت تتكلم اللغة العربية الفصحى ولكن بركاكة وبلكنة الخواجات فسألتها من أين أنت؟ قالت أنا من أمريكا من ولاية نورث كارولاينا وهذه الولاية تحديداً معروفة لدى كثير من الشباب الكويتي الدارسين في أمريكا لكونها احدى الولايات المعتمدة جامعاتها هذه السيدة التي تعمل في أحد الفنادق في الكويت زوجها يعمل في الأردن، بمعنى أنهما مهاجران من أمريكا أغنى وأقوى دولة في العالم ليعملا في المنطقة العربية وتحديداً الكويت والأردن.
ترى كم أمريكي على شاكلة هذين الزوجين الأمريكيين تركوا أمريكا للعمل في أصقاع الدنيا المختلفة.. أظن ملايين، فأمريكا القوية والغنية تنافس البلدان الفقيرة والعاجة بالسكان بهجرة مواطنيها لكسب الرزق في الخارج، رغم أن أمريكا هي ذاتها التي تفتح ذراعيها لاستقبال (50) ألف مهاجر جديد للحصول على فيزا الإقامة (جرين كارد) ومثل أمريكا ألمانيا الدولة الأوروبية الأقوى اقتصاداً وفرنسا وبريطانيا وغيرها من البلدان الصناعية يهاجر مواطنوها للعمل والاعتياش في الخارج، ويستقبلون نظراءهم من الأجانب.
في مطلع السبعينيات من القرن الماضي أي قبل أربعة عقود خلت ومع نهوض دولة الامارات الغنية يمم بعض الشباب الكويتي من أهل الخبرات الغنية والثقافية والتجارية إلى هناك حيث بعضهم تمت دعوتهم وبعضهم ذهب ليجرب حظه، هؤلاء الشباب انخرطوا وساهموا ونجحوا وكانوا مثالا للجدية والمسؤولية بعكس ما هو حادث للأسف هنا.
ولعل كان ذلك وازعا ليتمثل غيرهم من أقرانهم بهم، ولعلنا لا نبالغ كان الكويتيون أوائل من ساهم في تجارة الدولة الشقيقة من تأسيس الشركات وفتح المحلات والبنوك وتملك العقارات وغيرها، حتى غدا وجودهم الآن نحو الآلاف وشبه دائم.
خروج الكويتيين للعمل والتكسب ليس بدعة مستجدة، فالأقدمون من الآباء والأجداد يوم كانت الكويت تعيش على الكفاف، كانوا يغادرون وطنهم للاسترزاق في بلدان الجوار أو في بلدان أبعد، وإلى هذا اليوم هناك كويتيون ما زالوا يعيشون في تلك البلدان التي هاجروا إليها وغدوا من أهلها.
ولنا في دولة الهند الصديقة مثالا، بل لعلي أنا شاهدت بأم عيني هنوداً من أصول كويتية، صدفة في أحد المولات في مدينة بومبي (مومبي حالياً) لسانهم كويتي وأزياؤهم هندية..!!.
لم يعد العالم يقسم بلدانه إلى فقير وغني والبحث عن الرزق والهجرات لا تقتصر على البلدان الغنية وحسب، فهناك بلدان تعاني من الفقر المدقع لكن تصب الهجرات إليها، كذلك لا تقتصر الهجرات على البلدان القليلة السكان، فالصين بلد المليار ونصف المليار إنسان يهاجر إليها المهاجرون والباحثون عن العمل، بل لعلها من جانبها تستقطب الخبرات الأجنبية، فأين هو العيب إذا ترك الكويتيون وطنهم للاسترزاق والعمل في الخارج، وأين العيب إذا فتحت الكويت أبوابها للوافدين، لقد قال الله في محكم آياته {فاسعوا في مناكبها} {وأرض الله واسعة} وقوله {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت}.
إن الضجة على هجرة بعض الشباب إلى الخارج سواء للعمل أو للإقامة في نظري ضجة مفتعلة لا معنى لها وهي كعادتنا نحب التهويل والتضخيم وكأن الدنيا انطبقت على بعضها لا أن الحراك من طبيعة البشر.
إن الدولة إذا كان يعاني بعض أفرادها من بطالة وإذا كان لدينا من قوى العمالة الزائدة فما يعيب إذا يمموا نحو المهاجر بغية العمل والاسترزاق، فلقد رضينا لشبابنا من الجنسين للدراسة والتزود بالعلم إلى أقصى بلدان العالم، فما الفرق بين العمل والتعلم..؟!!
لنأخذ الأمور على أعنتها ولا نهول فلا يضير شبابنا إذا عملوا في الخارج ولا يضر الكويت إذا وفد إليها الغرباء. فكلنا من آدم وآدم من تراب.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق