صباح الخير لأسرة الخير، أسرة الحكم، هذه الأسرة الطيبة الكريمة التي ارتبط اسمها باسم الكويت وديموقراطيتها ودستورها وحرياتها. الأسرة التي أوجدت مع أهل الكويت نموذجا فريداً من نوعه في الحكم على مستوى العالم قائما على العهد والتوافق. الأسرة التي تنكبت مسؤوليات كبيرة في إدارة النظام والدولة وتحمل بعض رموزها ما لا يمكن لأي شخص ان يتحمله ومع ذلك استمروا في أداء الأمانة بما يرضي ضميرهم.
من هذا المدخل، وفي اطار الصراحة التي جبلنا عليها في الحوار والمخاطبة، اعبر إلى النقاش التالي حول مسؤولية الأسرة بالنسبة إلى امور كثيرة تتعلق بالشأن العام.
طبعا افراد الأسرة هم كويتيون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لكن سنة الحكم تقتضي نظاما متشددا صارما لمن هم أعمدة السلطة. هذا النظام يعني التأهيل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتاريخي والثقافي والدستوري والقانوني منذ سن صغيرة، فأبناء الأسرة قياديون بالطبيعة وإن لم يتم تأهيلهم في المناخ الصحيح فلن يكونوا جديرين بالقيادة الأمر الذي سينعكس سلبا على النظام نفسه… وهنا، فالمشكلة في الأسرة خصوصا ان كل الامكانات المادية والمعنوية متاحة لعملية التأهيل هذه.
وسنة الحكم تقتضي، إلى التأهيل المبكر، ان يستوعب ابن الأسرة انه يتمايز عن بقية الناس بالمسؤولية فقط وليس بأي شيء آخر، وان عليه ان يكون القدوة طالما انتمى إلى اسرة حكم، وان يحسب ليس خطواته فحسب بل كلماته ايضا، وان يستوعب عبارات صاحب السمو الأمير الذي قال أكثر من مرة ان تطبيق القانون يجب أن يكون على ابن الأسرة قبل غيره. ولا حاجة للكويتيين إلى رصد مواقف بعض ابناء الأسرة وممارساتهم للوصول إلى حقيقة مفادها ان هذا الشيء لا يتم، وان الممارسات لا تلجم، بل ان التغاضي عنهم صار نهجا ينتهجه اقطاب كبار في الأسرة بحجة انهم لا يريدون «عوار راس»… وهنا ايضا المشكلة في الأسرة.
عندما يعطي بعض ابناء الأسرة انطباعا للداخل والخارج انهم فوق المساءلة والمحاسبة، وانهم اجنحة متحفزة للانقضاض على السلطة بكل الوسائل، وان النظام غير قادر على ترتيب بيته وتوضيب اوراقه وتنظيم ملفاته… فالمشكلة في الأسرة.
عندما تحصل مخالفات قانونية باشكال متعددة، وانتهاكات للمال العام، ويساء استخدام السلطة في اتجاه استغلال المنصب لشراء الولاءات وخدمة المشاريع الخاصة. وعندما يكون مرتكب ذلك شيخا وزيرا لم يعاقب او مسؤولا تحت إمرة شيخ وزير ولم يعاقب… فالمشكلة في الأسرة.
عندما يصبح الحديث عن ضرورة تأهيل صف ثان من الأسرة لتولي المسؤوليات وفق رؤية جديدة ووجوه جديدة وكأنه «كلام مأخوذ خيره» أو من باب التعبير والتمنيات فحسب، وعندما لا يتخذ اقطاب الأسرة خطوات جدية في هذا الاطار بعد التجربة المريرة التي نتجت عن تسليم ادارات كثيرة لوجوه بعينها… فالمشكلة في الاسرة.
عندما يقتصر بناء تحالفات الأسرة على سياسة شراء الولاءات فقط من خلال تقديم «الخدمات» لا على قاعدة المشاريع والبرامج السياسية، ثم بعد فترة طويلة من «الموالاة» ينتقل «الحليف» إلى المقلب الآخر ويصبح معارضا… فالمشكلة في الأسرة.
عندما يؤسس افراد معروفون في الأسرة منظومة علاقات نيابية – سياسية – شعبية – أمنية – لخدمة مشروع خاص، ويرفقونه بمنظومة إلكترونية بأسماء حقيقية ووهمية يحركونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي هدفها التشويش وبث الاشاعات وتزويد بعض القوى السياسية بذخيرة للإساءة إلى الحكم وهيبته وصورته… ولا يوقفهم أحد، فالمشكلة في الاسرة.
عندما يشتري كبار في الأسرة «اصوات» بعض الأبناء الإعلامية المسيئة بالدرجة الاولى لهم، ثم يتغاضون عن حساباتهم الاعلامية الالكترونية «الوهمية» المسيئة أيضا لهم، ثم يستمعون اليهم ويأخذون بنصائحهم ويتجاهلون نصائح المخلصين الحريصين على الاستقرار والتقدم… فالمشكلة في الأسرة.
عندما يعرف أقطاب في الأسرة بشكل دقيق أن الشيخ الوزير السابق يتباهى بأنه رد على ما أسماه «مؤامرات» أولاد عمه بتحريك الشارع، وان الشيخ الوزير الحالي يتغاضى عن تطبيق القانون حرصا على علاقات مع تيارات سياسية بعينها يعتقد انها تخدم مشروعه السياسي، وان شيخا ثالثا يوظف كل قدراته الإعلامية والسياسية للطعن في رموز من الأسرة تتولى مهمات تنفيذية… وغيرهم وغيرهم ولا يضعون حدا لذلك، فالمشكلة في الأسرة.
عندما تتخلى رموز كبيرة في الأسرة عن مسؤولياتها وتحيل كل كبيرة وصغيرة على من هو أعلى فانها بذلك ترهق من هو أعلى وتعيقه ولا تساعده، وعندما يرفض وزراء شيوخ يتولون حقائب سيادية تطبيق القانون الذي يفرق بوضوح بين الاساءة وحرية التعبير خوفا على انفسهم من الاحتراق السياسي… فالمشكلة في الأسرة.
عندما يطبق وزراء من الأسرة القانون بشكل استنسابي، فيتشددون مع المخالفين هنا ويقيلون هناك، ثم يأتون لاشخاص مخالفاتهم اكبر فيحيلونهم على التقاعد المبكر أو يوقفون ترقيتهم… فالمشكلة في الأسرة.
عندما يطرح كتاب وسياسيون ومسؤولون على مدى سنين طويلة قضايا فساد وفيها تورط لبعض الشيوخ ولا تتخذ أي اجراءات… فالمشكلة في الأسرة.
الأمثلة تطول، إنما عود على بدء المقال. اكرر ان الكويتيين لا يرضون بديلا عن أسرة الخير، واكون اكثر صراحة فأقول ان ما تحمله رموز في الأسرة لا يتحمل جزءا بسيطا منه أي مسؤول آخر من خارج الاسرة، فضيق الصدر لدى السياسيين اكبر بكثير من ضيق الصدر لدى الشيوخ. لكن الدين النصيحة، وصاحب السمو نفسه يقول ان لا خير فينا ان لم نقلها، وهو على هدي الدين القويم في المراجعة والمسؤولية، وعلى صراط الأولين في الادارة والمحاسبة، خصوصا عبارة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال ردا على سؤال اهله ومجلسه عن اكثاره من مراجعة النفس: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا ليوم العرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية».
مذهب الاولين يقول: «احيانا تكون المعاني داخل قلبك لكن تحتاج أن تسمعها قلبك»، ونحن نتحدث من القلب إلى القلب لان مفتاح الحل للمشاكل هو في يد الأسرة والوقت لم يفت ابدا للمراجعة والمحاسبة واعادة ترتيب المواقف ووضع الضوابط. اقول هذا الكلام وانا اعرف ان المسؤولين الحريصين سيستقبلونه باليد الممدودة، واعرف ان الحاقدين من بعض ابناء الأسرة وموظفيهم وادواتهم (بأسمائهم الصريحة والوهمية) في المنظومة الاعلامية والالكترونية المساندة سيرفعون سقف البذاءة والسفاهة ضدي وضد كل من يعارض منهجهم… ليثبتوا بذلك ان كل كلمة قيلت في هذا المقال صحيحة.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق