إطالة أمد الثورة السورية التي قارب عمرها ثلاث سنوات منذ أن خرجت أول صيحة فيها تطالب بالحرية، وتأجيل حسمها من قبل الطرفين النظام أو الثوار جعلها سوقا للمزايدات المفتوحة وللصراع المذهبي وجسدا عليلا تطاولت إليه وعليه الأيدي وهي كلها أيد آثمة تريد أن تزيد جراح هذا الجسد لا بقصد مداواته وتطبيب جراحاته ومداواة أسقامه الكثيرة وعلله المتعددة.
النظام متمسك بـ «شرعيته» أو ما يراها كذلك، وذلك هو أس البلاء لا في القضية السورية فقط بل في كل جمهورية عربية، حيث عجزت تلك الجمهوريات عن إقامة الدولة بمعناها الحقيقي وحولت تلك البلدان إلى ما يشبه الملكية العائلية وحولت الشعوب إلى إماء وعبيد تتصرف هي بمصائرهم حيث لا سلطة لقانون إلا قانونها هي، فالرئيس هو الدولة والدولة هي الرئيس.
جمهوريات عائلية، فزوجة الرئيس رئيسة وسيدة أولى تأمر وتنهى ويتقاطر إليها القوم حاملين الأختام ورقع الاسترحام والاستزلام.
وأبناء الرئيس رؤساء يذهبون إلى مدارسهم بمواكب هيابة أو ربما أتت إليهم مدارسهم مطأطئة الرؤوس بقراطيسها وأقلامها ومدرسيها تنشد ودهم وتمنحهم شهادات التفوق حتى لو كانوا عمي البصائر مغلقي العقول.
دول محاسيب ومحازبين وتبع وتابعين، للأخ ولابن العم والعمة والخال والخالة نصيب في هبش الدولة ورشف صافي مواردها، فلهذا نصيب في قطاع النفط وذاك في الزراعة والثالث في وسائل الإعلام ورابع في وسائل الاتصال، والمنافسة ممنوعة في كل الأحوال.
تتضخم مواردهم ويغدو فقيرهم «قارون» القوم، وتكثر ملياراتهم وتمتلئ بها البنوك وتضج بها المصارف، والشعب جائع أو يعيش الكفاف، فلا تطبيب ولا تعليم ولا بيوت تؤوي الأجساد الباحثة لها عن مأوى في وطنها، فتطفق تبحث لها عن بيت ولقمة خارج الوطن.
هذا هو واقع الجمهوريات العربية التي تدعي «الشرعية» وهي لم تقمها ولم تلتفت لإنشاء دولة بمفهوم التداول والتعدد وتساوي الرؤوس، فلما يثور عليها الشعب تدعي الشرعية وحماية الشرعية، وكأنما الشرعية تكمن في ذلك الظلم والاستبداد والاستحواذ وتوزيع المغانم على الأهل والعشيرة والمحاسيب من كل جنس ولون.
وهكذا ينكشف الغطاء الساتر لتظهر عورات تلك الأنظمة الهشة وشرعيتها المزعومة.
katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق