أحد اهم اسباب تفاقم القضية الاسكانية هو الاصرار من قبل الجميع وبالذات من المواطنين المتقدمين للحصول على بيت من الحكومة او مساعدة لبنائه، الاصرار على رفض البناء العمودي والضغط من اجل التحصل على قسيمة خاصة يبني عليها بيته الخاص. هذا الاصرار يبدو مقبولا وطبيعيا، وانا شخصيا ان جاز لي التعبير عن رأيي الخاص، لم افكر حتى الآن في العيش في شقة وبناية اتشارك فيها مع الآخرين. فكيف بالشباب القادمين على اوائل العمر، الذين يتطلعون الى قضاء وقتهم الخاص في ممتلكاتهم الخاصة مع احبائهم وفلذات اكبادهم الذين يستحقون بلا شك اماكنهم الخاصة للانطلاق والترفيه الدائم الذي بالكاد يتوافر في السكن العمودي المشترك مع الآخرين.
لكن هل مناطقنا السكنية التي تعدت بعض اسعار قسائمها المليون دينار صالحة بشكل حقيقي للسكن ولتربية سليمة ومقبولة لمن نحرص جميعا على مستقبلهم من الابناء؟ هل هناك مناخ «سكني» حقيقي ونموذجي كما هو الامل او الاصل في المناطق السكنية الحالية؟ هل تتوافر النقاهة والبراحة في القسائم الحالية وفي محيطها القريب؟
لقد حول المواطنون، وجارتْهم الدولة، بل في بعض الاحيان بزّتهم، حولوا المناطق السكنية الى مدن مزدحمة والقسائم السكنية الى بنايات وشقق متعددة الادوار تسكنها العائلة «الحمولة» وليست مساكن نموذجية للعائلة البسيطة. لم يعد هناك مجال لفناء او «حوش» او حتى مواقف سيارات. بل عمارات شاهقة لا تخضع لاي ضوابط سكنية او حتى تجارية. الحكومة جارت الناس في هذا الامر. فقامت هي الاخرى بالاستيلاء على المساحات الفاضية المخصصة للتهوية والزراعة في المناطق السكنية وحولتها الى ادارات ومؤسسات للدولة.
القصد انه ليس هناك فرق يكاد يذكر بين المساكن الحالية المقامة على قسائم صغيرة التي يتولى الكثيرون تقسيمها الى قسائم اصغر بهدف الربح او تنمية العائلة «الحمولة»، اي تخصيصها للابناء، وبين السكن العمودي الذي بالطبع قد يكون افضل حالا من بعض مناطقنا التي تزدحم فيها الشوارع وتتقلص فيها اماكن مبيت السيارات بشكل مزعج ومثير للاعصاب.
ان المطلوب تحضير مناطق سكنية حقيقية تتوافر فيها اغراءات السكن الخاص الحقيقي، في الوقت ذاته الذي تتوافر فيه محظورات وقيود تمنع تحويلها الى مناطق سكن مكثف او مدن او حتى شبه مدن كحال المناطق السكنية الحالية.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق