عبداللطيف الدعيج: قالوها.. فاقد الشيء لا يعطيه

هناك نشاط من قبل مجاميع سياسية، ان جاز التعبير، متفرقة ومتعددة لتحديد الاولويات الوطنية، ولوضع تصور لما يجب ان تكون عليه الاوضاع الكويتية في المستقبل القريب، جميع هذه المجاميع او تصوراتها تتخطى، باحتراف مقصود او بسذاجة متناهية، تتخطى الاوضاع الحالية لترسم مستقبلا براقا، وتطرح آمالا واحلاما لاوضاع من الصعب تصورها او تلمسها من خلال وقائع الحاضر الذي نعيش، بمعنى انها تتهرب من مواجهة الواقع الحالي عبر رفضه او التعايش معه، من خلال طرح مشاريع او بالاحرى اوهام مستقبلية ضبابية وغير واضحة.

سياسياً، هناك من يطرح بثقة متناهية طلبه ودعمه للامارة الدستورية، طبعا هذا الطرح ينحصر فقط بالسلطة السياسية، والدستور المقصود هنا هو ما يحدد او يحد من هيمنة او اشكال هذه السلطة، في حين تبقى الحقوق والواجبات والعلاقة بين المؤسسات والبنى الاجتماعية غامضة او مهملة، او بشكل اكثر دقة خاضعة للموروث وللتقليد الحالي الاجتماعي والسياسي، بل ان صح الامر يبقى هذا الموروث العتيق والتقاليد البالية هي ما يحكم ويتحكم بالسلوك الاجتماعي العام. ولو تمعنا في هذا لوجدنا ان السلطة السياسية «شبه» محتكرة هنا للاسرة الحاكمة، فيما السلطة الاجتماعية، وهي التي اكثر تأثيرا محتكرة هي الاخرى من قبل المجاميع القبلية والدينية. لهذا يحرص الكثيرون او الاغلبية المهيمنة اجتماعيا على تعديل الاوضاع السياسية والسلطات المنبثقة عنها في الوقت ذاته، الذي يمارسون فيه حرصا اكبر على تثبيت الموروث والمفاهيم القديمة.

اقتصاديا يمنوننا بتنويع مصادر الدخل، وخلق ايرادات غير ايرادات النفط، لكن احدا لا يفسر او يبين على عاتق من سيقع هذا التنويع، ومن سيتولى عمليات الانتاج غير النفطية الشاقة، هل هي العمالة الفنية التي سنواصل استيرادها ام البطالة المقنعة، التي من المفروض ان نحولها الى قوى منتجة، تدفع اكثر مما تأخذ؟ تنويع مصادر الدخل وتحقيق ايرادات غير الايرادات النفطية هي احلام واوهام، وايضا شعارات كاذبة، ان لم يسبقها نقد واقعي لأحوالنا وموروثنا الاجتماعي، وتثقيف مكثف للفرد يؤهله لان يذوب كما يجب في مجتمع القرن الحادي والعشرين.

هذا غير ممكن ومستحيل في ظل نشاط الجماعات السياسية الحالية ــ مرة ثانية ان جازت التسمية ــ المعنية فقط باشكال وحدود السلطة والمتفقة، بل في الواقع، الخاضعة للظروف الاجتماعية البالية التي هي ــ وليست اشكال وقدرات السلطة السياسية ــ ما يعيق التقدم هنا.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.