احمد عيسى: لن نقاطع

أصدرت كتلة العمل الوطني منتصف الأسبوع وثيقة “إنقاذ وطن” التي تزامنت مع إعلان كتلة الأغلبية المُنتفية بيانها من ديوان السعدون، والمتضمنة مطالباتها بتعديلات دستورية وجملة مطالبات أخرى.
الفرق بين وثيقة “الوطني” وبيان الأغلبية المُنتفية يتلخص في أن الأولى قدمت تصورها لانتشال الكويت من وضعها الحالي وتطوير أوجه المناحي السياسية والاقتصادية والخدمية، واشتملت عرضاً للمشاكل وتقديم حلول عملية وواقعية لها بناء على معالجتين، قصيرة الأمد ومتوسطة الأجل، وآليات للتنفيذ، كما فتحت المجال لجميع الراغبين بالتحاور حولها بغية تطويرها ورفدها بإضافات ومساهمات مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية والشباب، لتتحول من مشروع كتلة برلمانية إلى رؤية وطنية تستهدف إنقاذ الوطن.
بينما كان بيان كتلة الأغلبية المُنتفية عبارة عن مطالبات تخللتها لهجة تصعيدية واستعراض عضلات مبالغ فيه، واشتمل على مطالبات بتعديلات دستورية وتغيير قوانين انحصرت في زيادة هيمنة مجلس الأمة على مفاصل الدولة كالقضاء والسلطة التنفيذية، مع عدم توضيح آلية تنفيذها، فالتعديلات الدستورية يشترط لإنجازها تلاقي الرغبتين الشعبية والأميرية، وفي حال عدم تلاقي الرغبتين لا يمكن بأي حال من الأحوال تعديل الدستور، وهو ما يتيح مجالاً للتساؤل: في حال عدم استطاعة الأغلبية المُنتفية إقرار مطالبها بتعديل الدستور، ما الذي ستقوم به: هل ستستقيل؟ أم ستنقلب على النظام الدستوري؟ أم ستواصل عملها بنفس المجلس وفقاً لنفس القواعد التي تعارضها؟
خطورة مطالبات الأغلبية المُنتفية أنها تمس اليوم بحقوق دستورية أصيلة لسمو الأمير، ومن بينها اختيار رئيس الوزراء وحل مجلس الأمة، حيث جاء من بين مطالبات الأغلبية معاملة رئيس الوزراء كبقية الوزراء عند التصويت على طرح الثقة، بحيث تكون إقالته بموافقة أكثر من نصف نواب مجلس الأمة، مثلما هي الحال مع الوزير، وهو ما يعتبر مصادرة لحق مجلس الأمة برفع كتاب عدم التعاون مع رئيس الحكومة، وتقليصا لصلاحيات الأمير الدستورية، حيث تحجب عنه حقه في حل مجلس الأمة في حال رُفع إليه كتاب عدم التعاون، وهو فعلياً انقلاب على المادة (102) من الدستور وسحب مبطن لحق دستوري أصيل للأمير بحل مجلس الأمة.
كما تبنت بعض أطراف الأغلبية المُنتفية بعد اجتماع “ديوان السعدون” الاثنين الماضي، خيار مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة إذا تم تعديل نظام الانتخابات سواء بتغيير الدوائر الانتخابية أو عدد الأصوات لكل ناخب وناخبة، وهو خيار سيئ جداً لهم لأنه سيقصيهم من المعادلة السياسية، ويبعدهم عن المشهد السياسي، ولا أتوقع أنه محل اتفاق كتلة الأغلبية ولا حتى أغلبية الأغلبية بداخلها.
قبل أن يزايد علينا أحد بموضوع المقاطعة، أستذكر موقف قوى المعارضة الحقيقية التي قادها التيار الوطني في مفاصل مهمة من تاريخ الكويت، حيث شارك مرشحو التيار الوطني الذي ضم تحالف التجار مع القوميين في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات في كل الانتخابات التي شهدت تلاعباً من السلطة للحد من نفوذهم، فلم يقاطعوا انتخابات مجلس 1967 التي تم تزويرها والتلاعب بنتائجها رغم علمهم المسبق بمخطط السلطة، ولم يدخلوا في مواجهات مع السلطة رغم تضررهم بعد الانقلاب على الدستور عام 1976، كما لم يقاطعوا انتخابات مجلس 1981 التي تم تغيير النظام الانتخابي فيها بزيادة عدد الدوائر الانتخابية، وتقليص حق الناخبين من خمسة أصوات بنظام العشر دوائر إلى 2 بنظام الـ25 دائرة، مقارنة بقيادة نفس المجموعة لجبهة معارضة ضد تعديل الدستور واستبدال مجلس الأمة بالمجلس الوطني.
ولعل قرار حكماء المعارضة السابقة كان هدفه التأكيد على حماية وصيانة النظام الدستوري أكثر منه مصالحهم الانتخابية، والمواجهة وتحمل المسؤولية الوطنية، فالمبدأ أن تلعب وفقاً لقواعد اللعبة الموضوعة والتي ارتضيناها جميعا وهي الديمقراطية، فلا تغيرها ولا تنقلب عليها، والأهم ألا تتنصل من دورك بالمشاركة والتغيير السلمي وفقاً لنفس النظام الديمقراطي، ولهذا رأينا معارضة السابق تقود جبهة معارضة ضد الانقلاب على الدستور والمجلس الوطني لكنها قبلت ما عداه من تغييرات طالت النظام الانتخابي، حتى إن لم تكن على هواها، فشاركت بفاعلية وقالت بجرأة “لن نقاطع” ثم خسرت الانتخابات بفروسية وكسبت موقفاً وطنياً عزز من مكانتها وأعاد قادتها إلى مجلس 1985 بالمراكز الأولى في دوائرهم، لكن عموماً حديث الماضي جميل رغم مرارته، فقد كان ذلك مبدأ معارضي ذاك الزمن الجميل، وحتماً سيكون من الظلم مقارنتهم بأشباههم من معارضي اليوم.
على الهامش:
مبارك عليكم الشهر قبل الزحمة.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.