نتحدث فيما بيننا على نحو رتيب وكأننا الإنسان الآلي «روبوت» لا تعكس كلماتنا حقيقة أفكارنا أو مشاعرنا، وكأن الكلام الذي نردده نشيد أو قصيدة حفظناها منذ وقت، فتبدو الكلمات المتبادلة بين الناس في المجالس والمنتديات أقرب للعبارات (مسبقة الإعداد) التي تقال عادة في الأفراح أو العزاء.
إنها (كليشات) منقوشة، محفوظة في الذهنية ولا مجال لتطويرها في مجتمعات يغيب عنها التفرد ويغلب عليها التماثل والترابط بالأفكار والملابس والأذواق والطعام والكلام.
****
يحدث كثيرا أن يقرأ مذيع نشرة الأخبار نبأ عن غرق سفينة ما (قبالة) السواحل، فكلمة قبالة يندر استعمالها في كلامنا دونما سواحل! وفي خطبة الجمعة يحدثنا الخطيب عن (جادة) الصواب ذلك ان الصواب ملازم للجادة وحدها دون الطريق أو الدرب.
وحين يهم الروائي بوصف مشاعر العشاق يكتب انها عاطفة (جياشة) رغم ان كلمة جاش يمكن استعمالها لوصف هيجان البحر أو فيض الدموع، وغير ذلك من أمثلة تشير إلى هذا التلازم الفج والناتج عن هيمنة ثقافة النقل على المتكلم العربي.
****
الحديث المقولب والكلمات الباردة وتكرار العبارات والأمثلة وأبيات الشعر في حديث الناس العرب ظاهرة واضحة وكأن الألسن لسان واحد يتنقل بين الافواه.
وإذا كان من المقبول تكرار (الاستعاذة والبسملة والحوقلة) في الحديث الديني لتعلقها بالجانب الإيماني لدى الناس، فان الأذن والعقل يرفضان التكرار على لسان المسؤول حين يبدأ حديثه بعبارات مثل (في الواقع) أو (في الحقيقة) وحين تصغي له تدرك انه غائب عن الواقع وليس في حديثه جزيء من حقيقة!
“الأنباء”
قم بكتابة اول تعليق