الشركات الأمريكية سيدة العولمة.. لا ضحيتها

فيليب ديلفز بروتون |

3 نقاط على ترامب النظر فيها:
1- لن تعود الوظائف إلى الولايات المتحدة كما كانت سابقاً
2- عودة المصانع إلى أميركا تستغرق وقتاً طويلاً لتنافس الجودة الصينية
3- براعة الشركات الأميركية في الإدارة عبر الحدود لإنتاج أعلى العائدات

في عشاء أقيم في وادي السليكون عام 2011، نقلت تقارير أن الرئيس باراك أوباما سأل ستيف جوبز: ما الذي سيتطلبه الأمر بالنسبة لشركة أبل لتوظيف الأميركيين في الولايات المتحدة لصناعة هاتف آيفون؟ بصراحة مميزة، أجاب جوبز: «تلك الوظائف لن تعود الى هنا».
في ذلك التعليق الوحيد وضّح جوبز ثلاث نقاط، لعل الرئيس دونالد ترامب ينظر فيها ويأخذها في الحسبان، وهو يمضي بطريقة غريبة بين رفع القيود والحمائية، وبين خفض الضرائب لتحرير الشركات، وسياسة صناعية ثقيلة الوطأة.
النقطة الأولى تتمثل في أنه على السياسيين التوقف عن خداع أنفسهم حيال اعادة الوظائف الصناعية الى أميركا. قد يعود بعضها، لكن أبداً لن تكون بحجم ما كانت عليه في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية. لقد حلت العقول والعمل المكتبي مكان العضلات. لقد ولت صورة العامل الأميركي القوي والضخم، كما تجسدها شخصية هاي مين في الجداريات، التي رسمها توماس هارت بنتون، الذي يرفع الصخور الثقيلة ويسحق المعادن، وتحولت الى صورة مبرمجي غوغل وكسالى المكاتب من مدمني العمل.
النقطة الثانية التي أوضحها جوبز هي أن الاستعانة بمصادر خارجية لم تعد مجرّد مطاردة لأقل تكلفة ممكنة. أفضل المصانع في شنتشن (الصين) قفزت في منحنى التعليم، لتصبح الأفضل من نوعها. حتى لو بنت «أبل» مصنعا في أميركا، ودفعت للقوة العاملة الأميركية الأجور، فان الأمر سيستغرق وقتا طويلا حتى تستطيع التصنيع بنفس السرعة والدقة والمرونة، التي يمكن للشركة أن تحققها مع شركائها في الصين، هذا مع الافتراض بأن تحسن الصينيين سيتوقف.
أما النقطة الثالثة فهي أن أفضل الشركات الأميركية أصبحت بارعة للغاية في الادارة عبر الحدود، وتوجيه الموارد الى حيث تولد أعلى العائدات. لم تكن تلك الشركات ضحية العولمة، بل كانت أسيادها وأصبحت أقل وأقل أميركية.

أين تكمن المشكلة؟
في عام 1990، نشر الخبير الاقتصادي روبرت رايك مقالاً، بعنوان «من نحن؟»، وقال ان نجاح الشركات المملوكة للولايات المتحدة والمنافسة الأميركية هي الشيء نفسه. كانت الشركات تقتحم أسواقا جديدة، وتوفر فرص عمل لعشرات الآلاف من العمال الأجانب. وفي الوقت نفسه، كانت الشركات الأجنبية، لا سيما اليابانية، تستثمر في المصانع والمعامل الأميركية، وتوظف العمالة الأميركية، وتعلم منافساتها الأميركية كيف تكون أكثر انتاجية. لقد كان الأجانب هم من يقودون المنافسة الأميركية، في حين أن الأميركيين كانوا يسعون وراء تحقيق عائدات أعلى على رأس المال في الخارج. لذلك بالنسبة لسؤاله «من نحن؟»، أجاب رايك: ان قوة العمل الأميركية، هي الشعب الأميركي، وليس تحديدا الشركات الأميركية. وكان هذا قبل عدة سنوات على ابرام اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.
هذه العقود الزمنية من التحول المتعدد الجنسيات في الشكل جعلت أكبر الشركات في أميركا فريسة سهلة للقومية الاقتصادية. فورد، على سبيل المثال، لديها 199 ألف موظف حول العالم، %48 منهم فقط في أميركا. أبل لديها حوالي 66 ألف موظف في الولايات المتحدة، الا أنه يقال إنه لديها ما يقرب من خمسة أضعاف هذا العدد ممن يعملون على صناعة نسخة واحدة من آيفون في موردها الصيني، «هون هاي».
اذا كان لأحد أن يقبل بحجة ميلتون فريدمان أن المسؤولية الوحيدة للشركة هي تجاه أصحابها، فعندها لا يمكن العثور على خطأ مع هذه الشركات المتعددة الجنسيات. فالشركات ترفع علمها أينما وجد المال. ولا يريد مساهموها أن تعزف لهم «النشيد الوطني الأميركي» في مجلس الادارة. ورغم أنها قد لا تكون تستثمر مباشرة في القوة العاملة الأميركية، فإنها تجني العائدات للمستثمرين الأميركيين الذين يمكنهم تخصيص رؤوس أموالهم على النحو الذي يرونه مناسبا. وهذا ما فعله بالضبط ترامب مع شركته الخاصة، واستثماره في صفقات عقارية بعيدة عن شواطئ الولايات المتحدة.
لكن هذه حجة هشة ويعمل ترامب على تحطيمها بابتهاج الى قطع، لأنه يعلم أنه لا يمكن الرد على ركود الأجور وانعدام الأمن الاقتصادي بين الطبقات العاملة والمتوسطة بالمنطق الواضح للاقتصادي الحائز على جائزة نوبل. وهو يهدد بالتشهير بأي من الشركات التي تخيب أمله أمام الاعلام.
المشكلة الأخرى بالنسبة للشركات الأميركية المتعددة الجنسيات تتمثل في قانون الاستثمار الداخلي لعام 2004، الذي أعطى الشركات تخفيضات ضريبية اذا ما أعادت الدخل الأجنبي الى البلاد. وأبلغت الحكومة الشركات أنها ستحظي بهذه الميزة بشرط استثمار الأموال في مجال البحث والتطوير وتدريب العمال. ولم تكن تسلم كل شيء الى المساهمين من خلال الأرباح واعادة شراء. فخمنوا ما حدث بعد ذلك؟
كانت المشكلة في «تبادلية المال». فعندما تجلب الشركات أموالها الأجنبية الى الوطن وتسجل ذلك في حساباتها تصبح خدعة واحتيالا. فالحكومة لا يمكن أن تتبع وتحدد ايا من تلك الأموال جاء من الخارج وأين تذهب الأموال في الخارج. ويحصل المساهمون على ما قيمته 62 و90 سنتا من كل دولار عاد الى البلاد.
اليوم، تملك الشركات الاميركية سيولة نقدية تقدر بتريليون دولار أو نحو ذلك في الخارج. واذا أتيحت لها فرصة أخرى لجلبها الى البلاد، فان هناك احتمالات أن الشيء نفسه سيحدث مرة أخرى.
بالنسبة للشركات العالمية، يمكن تحفيز حس الوطنية لديها عن طريق حوافز مثل الاعفاءات الضريبية أو التهديد بفرض الرسوم والتعريفات، ولكن هذا ليس حالة طبيعية.
لم تكن هناك ندرة في رأس المال خلال السنوات القليلة الماضية. واذا رأت الشركات المزيد من القيمة في الاستثمار في العمالة الأميركية، فيمكنها بسهولة أن تفعل ذلك. ولكنها تفضل انتظار الروبوتات.

ترجمة وإعداد إيمان عطية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.