سامي خليفة: طموح الصقر.. ودعوة عبيد

مع تزايد الخلافات بين الحكومة والمعارضة، وانشقاق الصفوف بين نواب مجالس الأمة المتعاقبة، وانقسام المجتمع، وظهور حالة سلبية من الاصطفافات الفئوية والعنصرية والطائفية والقبلية، ومع استشراء لغة الإقصاء والإلغاء والتجريح والفجور في الخصومة، واستخدام ألفاظ بذيئة في التعاطي مع الشأن العام، وغياب النظرة الإيجابية من جميع الأطراف تجاه بعضهم البعض، لا بد من وقفة جادة أمام هذه التطورات الخطيرة التي تمر بها الحياة السياسية في الكويت، ولا بد من حركة مسؤولة تنتشل البلاد من الوحل الذي شلّ كل حركتها العامة.
من هنا، أفهم دعوة د.عبيد الوسمي إلى مؤتمر تصالح وطني يضم جميع أطياف وفئات الشعب الكويتي للخروج من المأزق الحالي، هذه الدعوة التي لا شك أنها موضع تقدير واحترام، وجاءت في الوقت الذي يسعى الكثير إلى رفع ترمومتر التوتر، لأسباب بعضها انتخابية وبعضها اصطفافية، ولكن تلك الدعوة لا يمكن أن يكتب لها النجاح، ما لم تتوافر مقدمات موضوعية سليمة، واعتبارات ذوقية تتعلق بالثقافة السياسية المتبعة بين رجال السياسة اليوم.
وأتذكر النائب الأسبق محمد الصقر، وأن من أهم طموحه الذي حمله في الانتخابات الماضية كان تبني مؤتمر وطني للمصالحة في حال نجح برئاسة مجلس الأمة العام 2012، ولكنه لم يتفاجأ فقط بمخرجات الانتخابات النيابية التي لم تكن لمصلحته في انتخابات رئاسة مجلس الأمة فقط، بل وصدم من عظم الكارثة التي وقعت على البلاد، حين تصل الخصومة بين النواب إلى حد الكراهية، وإلى رفض حتى سلام ومصافحة البعض للبعض الآخر، فضلا عن إيجاد الحد الأدنى من التفاهم. بمعنى آخر بعض النواب باتوا يستلذون يوميا بكم الكلام البذيء والسوقي الذي يجاهرون به تحت قبة عبدالله السالم، وما تنقله وسائل الإعلام من قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية.. لذا، أحسب أن الأمر الذي أحبط الصقر كان في ضياع البوصلة عند الكثير من النواب المتصدين، لدرجة وصلت إلى تخوين البعض بالعمل لأجندات خارجية والتشكيك في ولاءات البعض الآخر، وهي مرحلة لا أخلاقية لا يمكن أن تكون أرضيتها صالحة لبناء أي حوار أو مؤتمر وطني للمصالحة.
لذا، أحسب أن هناك مقدمات لا بد أن يسعى دعاة الحوار والمصالحة الوطنية إلى تحقيقها، قبل التفكير في الدعوة لمؤتمر جامع، أهمها أن يبادر رموز المعارضة إلى خلق جو إيجابي ومناخ هادئ، يعين سمو الأمير على التعاطي مع المرحلة الانتقالية ومعالجة الإشكالات الدستورية بروحية أبوية تمكن الجميع من الاستظلال بظلها، وهذا يتطلب إيقاف التهديد والوعيد بالتصعيد والنزول إلى الشارع، في حال لم يتم التوجه نحو ما يبتغونه هم، وتلك مفردة وجدانية تتطلب أن نقف عندها بشيء من التأمل، وخصوصا أن الأطياف السياسية التي تمثل كل ألوان المجتمع تقريبا انقسمت في اجتهاداتها بين مؤيد ومعارض للإجراءات الدستورية الأخيرة، ولا يمكن معالجة الأمر إلا من خلال القنوات الدستورية السليمة، المتمثلة بتمكين إرادة سمو الأمير، من دون التأثير عليها من جانب، واحترام دور السلطة القضائية كموقع للاحتكام الدستوري وفض النزاع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
لقد ساءت الأمور كثيرا، ووصلت حالة التجاسر على العرف السياسي العام إلى درجة كبيرة، ولا بد من الرجوع إلى الخلف قليلا، وإعلان الضوابط التي يرتضيها الجميع قبل التفكير في عقد مؤتمر تصالحي، وهذا لا يعني رفض دعوة د.عبيد الوسمي، أو إحباط طموح النائب الأسبق محمد الصقر، بل أجد نفسي منحازا بقوة إلى طرحهما، لكونه الأكثر جاذبية في كل ما يطرح من مواقف. ولكن كي تنجح الأفكار الجيدة، فلا بد من أن توضع في قالبها الصحيح، وهو أن تأخذ المصالحة دورا وجدانيا وقيميا بعيدا عن التكتيكات السياسية.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.