اعتادت وزارة الداخلية مع استهلال كل شهر رمضاني مبارك ان تسحب تحذيرها السنوي من تحت الدسك وتذكر الناس من مغبة المجاهرة بالافطار أو فتح المطاعم والمخابز في النهار.
تحذير الداخلية بات مثل الكليشية التي اعتاد عليها المواطنون، ونامت عليها «الداخلية» دون تطوير أو حدوث استثناءات.
رمضان هذا العام يهل علينا في ذروة الصيف وفي ذروة الطقس الحار الذي تتحول فيه الكويت الى فرن ذري والنهار طويل.
الكويت تضم جاليات عديدة وغالبية أو نصف هؤلاء ليسوا بمسلمين، بل ليسوا كتابيين، فهناك البوذيون والهندوس والسيك وديانات اخرى، ومن تمام فضل الله على هذا البلد المضياف انه لم يتشدد أو يفرق بين اجناس البشر ودياناتهم وعقائدهم، على الرغم من التضييق عليهم بممارسة عقائدهم بحرية، ومن ذلك مثلا عدم الاجهار بالافطار في النهار، فنحن لئن كنا مسلمين ونصوم الشهر لكن ذلك لم يفرض على الديانات الاخرى في تمام ما يفرض على المسلم، من تحديد الشهر والتوقيت والامساك والصيام وغير ذلك، على الرغم من ان الصيام مفروض على الكتابيين ولكن صومهم يختلف عن صومنا، الله سبحانه وتعالى يقول الصوم لي. ويقول: {لا إكراه في الدين}. ويقول {لست عليهم بمسيطر}، الى ما هنالك من الايات والاحاديث القدسية والنبوية الدالة على حرية خيار العقيدة، فالله سبحانه وتعالى ادرى بعباده من عباده.
حكمة اغلاق المطاعم والمخابز وعدم الاكل جهرا في النهار تحتاج الى اعادة تفسير جديد من لدن المسؤولين عن الامن، فهل اذا اجهر احدهم بالاكل نهارا في رمضان كان ذلك جريمة من حق السلطة الامنية معاقبته؟ يحدث ذلك تحت أي بند وتحت أي مسوغ قانوني؟ ثم هل شهية الاكل لدى الصائم لا تنفتح الا عند المطاعم والمخابز. فهناك اسواق الخضار والفواكه وهناك الجمعيات التعاونية والبقاليات المليئة بشتى انواع المأكولات المعلبة والطازجة والمبردة مقياسا على غلق المطاعم والمخابز يفترض ايضا غلق البقالات والجمعيات التعاونية واسواق الخضرة..!!
الصائم المؤمن لا يزيغ بصره ولا قلبه على الاكل ذلك انه مشغول بربه وبصيامه، والا تعالوا نقول لكم ماذا عن المسلم الذي يصوم في الديار غير الاسلامية هل صيامه مشكوك في صحته، وهناك المطاعم والمقاهي والمخابز مفتوحة جهارا نهارا؟!!
يا سادة.. فتح المطاعم والاكل جهرا لا يجرح قلب الصائم ولا يفسد عليه صومه، هذا اذا كان مؤمنا متيقنا بصحة ايمانه وبصحة صيامه، ولكن نحن امام وضع مختلف، صيف حار وعمالة تسعى على رزقها في قلب النهار القائظ الجهنمي، وتقريبا نحو نصف أو اكثر من الاخوة الوافدين والعاملين في البلاد من غير المسلمين وعليه فنحن هنا لا نطالب ولا ندعو الى فتح المطاعم والمقاهي في هذا الشهر الفضيل والكريم، ولكن ندعو الى عدم التشدد والقسوة على المجاهر بالاكل خصوصا مع العمالة الهامشية التي تلتقط رزقها هنا وهناك، هؤلاء يحتاجون الى النصيحة من رجال الامن بدلا من الحبس وحجز حرياتهم وهؤلاء يحتاجون الى فهم قوانين البلد، والى فهم التقاليد والاعراف الدارجة في شهر رمضان أو في غيره من الايام.
تحذير الداخلية السنوي بات قديما ويحتاج الى تجديد.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق