النقود تختفي في السويد بحلول 2030

تسعى مملكة السويد لأن تصبح أول دولة في العالم تستغني عن العملات النقدية والورقية في تعاملاتها، بعد أن تراجع استخدامها بنسبة 80 في المئة، حيث يستخدمها السويديون في شراء 20 في المئة من حاجاتهم فقط، فيما تفكر السلطات جديا في اصدار عملة الكترونية، رغم رفض عدد من النواب والناشطين. على باب هذا المطعم في وسط مالمو، لا يستطيع الواحد ألا يرى اللافتات المعلقة على الواجهة والتي كتب عليها: «لا نتعامل إلا بالبطاقات البنكية». وأما في الداخل، فقد فضل صاحب المطعم ان يذكر زبائنه ممن لم يروا الرسالة الأولى بأن مطعمه يخلو من اي قطعة نقدية من خلال لافتات أخرى. ويبررسيباستيان كانتاندر الذي يملك هذا المطعم، واسمه غرونا هورنان، وتعني «الزاوية الخضراء»، قرار حظره التعامل بالقطع النقدية، برغبته بتفادي مخاطر السرقة التي ترتفع عند استخدام القطع والاوراق النقدية، ويضيف: «يحتج 1 في المئة من زبائننا على هذا القرار، لكن البقية تقبلوا الامر من دون أي تعليق».
في مدينة مالمو اتخذ كثير من التجار القرار ذاته، فشركة حافلات النقل المشترك سكانيترافيكن لم تعد تقبل غير البطاقات البنكية، او البطاقات المسبقة الدفع منذ عام 2011، وعلى بعد 100 متر فقط من مقرها، تشجع كنيسة سانت جان المتبرعين على التبرع عن طريق الرسائل الهاتفية أو تطبيق سويتش، وهو تطبيق طورته كبريات بنوك المملكة.
كانت السويد أول من بدأ التعامل بالأوراق النقدية في أوروبا في عام 1961، ويمكن أن تصبح أول دولة تستغني عن السيولة في العالم. ففي تقرير نشر في عام 2013، توقع البروفيسور نيكلاس أرفيدسون من المعهد الملكي للتكنولوجيا في استوكهولم اختفاء النقود في غضون 2030، ويراجع الآن هذا الباحث في مجال الصناعة الحيوية توقعاته بسبب التغيرات السريعة التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة.
في عام 2009، كانت قيمة السيولة المتداولة في السويد 106 مليارات كرونة، اي ما يعادل 11.19 يورو، لكن لم يتبق منها سوى 60 مليارا، اي ما يعادل 6.3 مليارات يورو اليوم، وفق البنك المركزي السويدي ريكسبانكن، أي أقل من 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 9 في المئة في منطقة اليورو.
وقد تراجعت عمليات السحب الآلي للنقود خلال السنوات العشر الأخيرة إلى النصف في المملكة، بينما تضاعفت التعاملات عن طريق البطاقات البنكية خمس مرات. ويستخدم السويديون البطاقات البنكية اكثر من جيرانهم الاوروبيين بمعدل ثلاثة اضعاف، ولا يبتاعون الا 20 في المئة من حاجاتهم باستخدام السيولة.
وبشكل متناقض سرعت عملية ادراج عملات جديدة تحمل صور الكاتبة استريد ليندغرين، وكاتب السيناريو أينغمار بيرغمان استغناء الناس عن التعامل بالنقود منذ أكتوبر 2015 وفق السيد أرفيدسون الذي يضيف: «كان يجب تغيير الصناديق وتعلم تحديد الأوراق المزورة، لذلك قرر التجار ومكاتب البنول عدم قبول اي معاملات تستخدم فيها السيولة النقدية».

«قضية أمن»
يقول بانت نيلرفال المتحدث باسم الفدرالية السويدية للتجارة ان العلامات والشركات الكبرى هي من خطت الخطوة الأولى كشركات الهاتف النقال، وسلسلة اخرى تختص بانتاج الحليب ومشتقاته، علاوة على سلسلة فنادق، ويضيف: «يتعلق الامر في البداية بقضية أمن، ولكن ايضا بالكلفة، فاكبر شركتين مختصتين في نقل الأموال، وتسيطران على السوق في السويد، تقومان برفع أسعارهما كل عامين، لكن في المقابل ما تزال التجارة الجوارية تقاوم، ويبدو انها ستكون آخر نشاط تستخدم فيه السيولة».
وإن كانت الدولة في الدنمارك تؤيد الاستغناء عن السيولة، لم تبد بعد السلطات في السويد توجهاتها، وإن كانت لا تعارض اي تطور يهدف الى احتواء العمل غير القانوني والجريمة المنظمة التي تزدهر باستخدام السيولة.
يبلغ عدد سكان السويد 10 ملايين نسمة، وقد استخدم هذا التطبيق 5. 2 مليون شخص من بينهم، لاجراء أكثر من 8 ملايين معاملة خلال شهر يناير الماضي.
ويقول البروفيسور نيكلاس أرفيدسون ان شغف السوق السويدي بالتكنولوجيا الجديدة وامتصاصه السريع لأي تجديد ساهم في تسريع وتيرة هذا الانتقال. ويضيف: «ليس فقط ان السويديين تعلموا استخدام انظمة الدفع الالكتروني، وإنما يؤكدون ثقتهم في نظامهم البنكي، وفي السلطات والقانون، ويعبرون عن اقتناعهم بان هذه الجهات تحمي المستهلك».
ويقول مؤلف أغنية Money Money Money، الذي تعرض ولده الى عدة اعتداءات بدافع السرقة: «لن يقبل اي تاجر تلفزيونات أو حواسيب مقابل المخدرات، إن كان لا يستطيع مبادلة هذه الاغراض المسروقة بأوراق نقدية».
وأما النقابات فتؤيد هي الأخرى الاستغناء عن الاوراق النقدية في النقل العام، والوكالات البنكية لسلامة الموظفين. وخلال السنوات الخمس الاخيرة، تراجع عدد الوكالات البنكية التي تتعامل بالسيولة إلى النصف، وفي هذا الشان يقول ليف تروجن مسؤول البنى التحتية المالية في جمعية البنوك السويدية: «لم نشهد خلال عام 2016 سوى حادثتي سرقة مقابل 110 حوادث في عام 2008، بسبب الاستغناء عن التعامل بالاوراق النقدية».
ويبرر سويد بنك رفضه التعامل بالاوراق النقدية بدوافع بيئية، فالبنك أكد بعد دراسة أن عملية نقل الاموال بين مختلف وكالاته تسبب انبعاث 700 طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنويا، لكن هذا التطور لا يعجب الجميع، وفي هذا الشأن يقول جان بيرتوف الأمين العام للجمعية السويدية للمستهلكين: «المشكل هو أننا سمحنا للبنوك اتخاذ قرار اين تكون وكالات البنك والشبابيك الاوتوماتيكية، لقد اتخذوا قرارات بسرعة، بينما تم تهميش العديد من الشركات». ويضيف: «ماذا عن الوافدين الجدد، ممن لا يملكون حسابات بنكية وكبار السن أو ذوي الاحتياجات الخاصة، الذي لا يتقنون ولا يتحكمون في التكنولوجيا، وسكان بعض المناطق النائية، الذين لا يستطيعون الحصول على انترنت بتدفق عال او على هواتف محمولة».
ويعد مطلب استخدام السيولة من ابرز مطالب جمعية برو، وهي ابرز جمعية للمتقاعدين في السويد، ففي يونيو 2016 تسلمت هذه الجمعية احتجاجا يتضمن توقيع 140 الف شخص للوزير المكلف بالاسواق المالية بير بولاند، مطالبة اياه بضمان حق الدفع النقدي. كما كسبت الجمعية معركة قضائية ضد المجلس الجهوي لوسط السويد، بعد أن قرر منع الدفع النقدي في مراكز العلاج في المنطقة.
وأما رئيس فدرالية شركات الامن بجورن إيريكسون الذي يقود ما بات يعرف في السويد «ثورة السيولة»، فيحذر باستمرار من مخاطر المعاملات المالية الالكترونية على أمن المملكة.
ويقول هذا الرجل الذي سبق وتولى رئاسة الشرطة الوطنية ان الهجمات الالكترونية التي استهدفت مؤخرا المؤسسات السويدية وروسيا دعمته وجهة نظره، ويضيف: «لقد كانوا يعتبروننا فلاحين وضد التطور التقني، ولكن مع حجة بوتين التي تدعم ما كنا نقوله، سيتغير الامر».
ففي منتصف يناير الماضي نظم النائب بير أسلينغ جلسة حول الموضوع في البرلمان، حضرها أكثر من 200 شخص، أكد خلالها ان اختفاء السيولة بمنزلة قضية من قضايا الديموقراطية، وعبر عن مخاوفه مما قد تسببه من انقسامات في المجتمع، بعد ان تطرق لتنامي الشعبوية في أوروبا والولايات المتحدة.
بالنسبة لهذا النائب، فإن على السلطات ان تتعامل مع القضية بجدية، وفي هذا السياق وجه رئيس البنك المركزي ستيفان أينفز تحذيرا للبنوك، طالبا منها تحمل مسؤولياتها الاجتماعية وتمكين العملاء من الخدمات التي ينتظرون توفيرها.
من جهته، اعلن ريسكبانكن في نوفمبر الماضي عزمه اطلاق كرونة الكترونية، لكنه منح نفسه سنتين للتفكير في الموضوع.

■لوموند ■

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.