مثل كثير غيرها في شركة المحاماة التي تعمل فيها في حي المال والأعمال في لندن، كانت كلودين أديمي في سن المراهقة عندما قررت أن تصبح محامية.
لكن على عكس زميلاتها، كانت بلا مأوى عندما تقدمت لامتحان A-levels في إحدى المدارس الحكومية، وتعيش مؤقتاً في النزل التي تقدم سريراً وإفطاراً نتيجة وفاة والدتها، وانقطاع علاقتها مع والدها. عندما دخلت الجامعة كانت تنتقل لحضور محاضراتها في جامعة كوليدج في لندن من شقتها في الإسكان العام في جنوب لندن التي انتقلت إليها عندما أصبحت في الـ 18 من عمرها.
أديمي التي أصبحت في أواخر العشرينات من عمرها ولا تزال تحافظ على لهجة سكان جنوب لندن، عاقدة العزم على التقدم في مهنتها، لكنها تعتقد أن المنصب الأعلى في الشركة في أن تكون شريكاً فيها ربما يكون بعيد المنال. رغم أنها واثقة من مهاراتها القانونية وقدراتها، إلا أنها تعتقد أنها تفتقر إلى الفطنة والعلاقات الاجتماعية. وتخشى أديمي أن يتفوق عليها زملاؤها من ذوي التعليم الخاص في السباق إلى القمة.
تقول الأبحاث إن حدسها ربما يكون صحيحاً. إذ حددت دراسة بحثية جديدة أعدها البروفيسور دانيال لوريسون من كلية سوارثمور في بنسلفانيا والبروفيسور سام فريدمان من كلية لندن للاقتصاد، «سقف للطبقة الاجتماعية». ووجد الباحثان أن الموظفين المؤهلين تأهيلاً عالياً في حي المال والأعمال في لندن ومهن النخبة يتلقون أجوراً وفقا لخلفيتهم الاجتماعية.
وفي حين أن بعض أرباب العمل يبذلون جهدا لتوظيف موظفين من مجموعة واسعة من الخلفيات الاجتماعية، فإن ما يحدث لهؤلاء الناس مع تقدم حياتهم المهنية لم يلق الكثير من الاهتمام. فهم يشعرون بأنهم أقل استحقاقاً لطلب زيادات في الأجور، بل «وحتى يستبعدون أنفسهم من السعي وراء الترقية بسبب المخاوف من عدم القدرة على التوافق والانسجام مع المحيط»، كما يقول التقرير.
وتقر أديمي بذلك. فكما تقول «الكثير من زملائي في الجامعة يأتون من خلفيات مختلفة تماماً عني. لم أكوّن الكثير من الصداقات لأنني لم أنسجم بشكل جيد معهم».
وتضيف أن العديد من زملائها أقاموا صداقات في الجامعة مع أناس سيصبحون عملاء لهم في وقت لاحق. وتتابع «أنا لا أملك هذه الميزة».
ووجد مؤلفا الدراسة أنه كلما انتقل المهنيون الى مجموعة ومستوى أعلى، واجهوا تمييزا أكثر.
وفقاً للدراسة، فإن المهنيين البريطانيين العاملين في مجال القانون والمحاسبة والتمويل، الذين كان آباؤهم يعملون في المهن اليدوية أو كانوا عاطلين عن العمل، حصلوا على أجر أقل بنسبة %20 في المتوسط من زملائهم من خلفيات الطبقة المتوسطة والعليا.
وحددت الدراسة «مساوئ كبيرة» في الأجور للموظفين من أصول تعود الى الطبقة العاملة في المجال الأكاديمي والخدمة المدنية والطب في المملكة المتحدة.
وعند اضافة جنس الموظف الى المزيج، فان التحيز والتمييز يكونان أكبر. فالنساء اللواتي حققن أكبر قفزة وتقدم من وظائف والديهن، على سبيل المثال، والد عاطل عن العمل لفترة طويلة، يكسبن ما نسبته %25 أقل من الرجال الذين يشغل آباؤهم مناصب رفيعة المستوى.
وبحسب الدراسة، فإن الذين انتقلوا الى مجموعة اجتماعية – اقتصادية أعلى من تلك التي عهدوها وتربوا في كنفها عندما كانوا أطفالا، «يتقاضون عن وعي أو بغير وعي مكافآت أقل في مكان العمل من الناس من ذوي الخلفيات الأكثر حظاً». «قد يعبر هذا عن تمييز صريح أو غرور وادعاء أو أن ذلك له علاقة بعملية ضمنية في سياقات مثل المقابلات أو تقييم الأداء».
وتركز هذه الدراسة على المملكة المتحدة، لكنها تأتي تكملة لدراسة أعدت في 2015 في الولايات المتحدة ووجدت أن حجم الأموال التي يمكن للموظف أن يجنيها يمكن توقعها تقريبا من خلال الأجور التي حصل عليها والداه. ووجدت الدراسة التي أجراها مركز جامعة ستانفورد حول الفقر وعدم المساواة، أن الأطفال الذين يولدون لآباء ضمن نسبة الـ %10 الأعلى أجراً عادة ما يكونون على الطريق لتحقيق ثلاثة أضعاف ما يحققه أبناء الطبقة الأدني أجراً، على الرغم من أن الدراسة لم تحدد المهن. وتشير الدراسة الى أن أرباب العمل يهتمون بالفجوة في الأجور بين الطبقات الاجتماعية لأسباب أخرى ليست لها علاقة بالشعور الغامض بالعدالة الاجتماعية.
مديرو الاستثمار من خلفيات الدخل المنخفض يحققون، باستمرار، نتائج أفضل لعملائهم من زملائهم من الخلفيات الثرية والميسورة، وفقاً لدراسة أعدت في ديسمبر 2016 من قبل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة.
ولأن الأفراد من الخلفيات الأقل حظاً يواجهون عدداً أكبر من العقبات التي تحول دون الوصول الى المناصب المرموقة، وجد الباحثون في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أن «الأكثر مهارة فقط» هم من نجحوا في الحصول على موطئ قدم لهم في المناصب العليا.
جدير بالذكر أن الدراسة بحثت في مديري الصناديق الذين بلغوا مركزاً متقدماً في ادارة الصناديق. ففي كثير من الأحيان، الأشخاص من ذوي الخلفيات الأقل ثراء لا يصلون الى هذا الحد، بحسب الباحثين، الذين أشاروا الى أن «أولئك الذين ولدوا فقراء لا يحصلون على الترقيات الا اذا كانوا متفوقين».
ويعتقد جون كرافن، وهو مصرفي سابق مختص في المشتقات، أن الطبقة الاجتماعية تحدد الترقية. ويقول إنه استقال من منصبه في عام 2012 ليصبح معلماً. وبينما كان أداؤه جيداً في المبيعات، الا أنه يعتقد أن حي المال والأعمال غارق بالتحيز الاجتماعي عندما يتعلق الأمر بالوظائف التي لها علاقة مباشرة بالعملاء.
ويقول إن المناصب العليا في مجال الخدمات المصرفية تنطوي على توليد الإيرادات. ولذلك يفترض المديرون أن الموظفين الذين لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع العملاء سيكونون أفضل في تحقيق المال. ويتم منحهم العملاء الذين يتوقعون أن تكون معظم أعمالهم ومعاملاتهم مع البنك.
ويقول كرافن «لا يمكن إلقاء اللوم كلياً على البنوك. أي مدير عام في بنك يحدد من يجب أن يحصل على ترقية يتصرف بعقلانية عند استخدام قوة العلاقات مع العملاء كعامل مهم».
وتشجع بعض المنظمات التنوع الاجتماعي في التوظيف، على سبيل المثال، شركة الخدمات المهنية العالمية برايس ووترهاوس كوبرز، ألغت درجات «أوكاس» (وهو امتحان موحد يجرى عند ترك المدرسة ويستخدم لدخول الجامعات في المملكة المتحدة)، باعتباره معيار دخول لغالبية وظائف الخريجين.
مع ذلك، عند تجاوز مرحلة توظيف الخريجين لا يتم ايلاء اهتمام يذكر لـ «سقف الطبقة الاجتماعية»، بحسب لويز آشلي، وهي محاضرة في كلية رويال هولواي بجامعة لندن، تقوم بأبحاث حول برامج التنوع والشمول.
وتقول «هناك تركيز محدود جداً على العلاقة بين الخلفية الاجتماعية والتقدم الوظيفي. العديد من الشركات لديها خطاب قوي بشأن الجدارة، لكن كلما حاولت تسلق الهرم، سترى أن ذلك ليس صحيحاً».
أما بالنسبة إلى أديمي فإنها تأمل في أن يقوم العملاء بأعمالهم معها لأسباب تعود الى شخصها ومؤهلاتها. فكما تقول «ربما علي أن أقوم بثلاثة أضعاف ما يقوم به الآخرون، لكنني سأتقبل من أكون. وآمل أن يكون ذلك نقطة قوة».
ترجمة وإعداد إيمان عطية
قم بكتابة اول تعليق