احمد الجارالله: الخرافي… اللهم إني قد بلغت

ما قاله عتيق السياسة الكويتية ليس كلاما عابرا للاستهلاك السياسي, بل هو وضع للنقاط على الحروف وقرع علني لجرس الانذار بعدما قرعه مرات كثيرة خلف الابواب, ولكنه عندما رأى ان الامور وصلت الى مفترق بالغ الخطورة قال كلمته في مؤتمره الصحافي وشخص بدقة المرض الذي تعاني منه الكويت, ولذلك علينا ان نصغي جيدا ونتفكر بما قاله ابوعبدالمحسن حتى لا نصل الى يوم نندب فيه وطنا تركنا البعض يطبقون عليه ويقتلونه.
لو كنا استمعنا لما قاله الخرافي خلف الابواب لما كانت كل هذه التداعيات التي تسببت فيها ريح الابتزاز السياسي المخالفة لما تشتهيه سفن الكويت, ولكنا وفرنا الكثير من وقت أهدرناه في مهادنة ميليشيا “التشبيح” السياسي مؤملين النفس ان تسلك في لحظة ما الطريق القويم, لكن رغم ذلك نقول رب ضارة نافعة ففي الازمات تتكشف الحقائق, وفي الأزمة الاخيرة انكشف ما بيته البعض لبلدنا تحت شعار الاصلاح, الا انه كان يعمل لتنفيذ اجندة تعديلات دستورية تقلب الموازين وتغير المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة.
لم تعد خافية الرغبات الشريرة لبعض نواب المجلس المخلوع الذين بنوا ستراتيجيتهم على اتهامات باطلة سعيا منهم لخطف قرار البلاد, ولعرقلة مسار الاصلاح والتطوير وتطبيق القانون الذي سارت عليه الكويت في السنوات القليلة الماضية وارادت من خلاله فك اسرها من قيود المراوحة مكانها والانطلاق في طريق التنمية والتطوير, الا ان مجلس الزحف على كل الصلاحيات واختطاف الدولة عمل على هدم كل ما بني. حاول الانقضاض على السلطة التنفيذية وجعلها اشبه بسكرتارية لعدد من نوابه, يعينون الوزراء والوكلاء من حملة شهادة” صارخ في ساحة الارادة” من جماعة قالت لكل من لم يوافق هواها” ارحل… ارحل” حتى كادوا يطالبون برحيل كل اهل الكويت, كما لم يسلم منهم القضاء فما تركوا ادارة فيه الا وحاولوا التدخل, حتى وصل بهم الامر الى حد المطالبة بتعيين ثلث اعضاء المجلس الاعلى للقضاء, وتعديل قانون المحكمة الدستورية, والغاء محكمة الوزراء, وفي هذه الاخيرة ربما كانوا يريدون اسكات صوت الحق عن محاسبة انصارهم المزروعين في الحكومة في حال اكتمل مخططهم التخريبي.
رأينا غالبية المجلس المخلوع كيف جعلت الدستور قائمة طعام, مرة تريد الهيمنة على المجتمع من خلال تعديل المادة الثانية, وحين لم تحقق رغبتها هربت الى تعديل المادة 79, وشاهدناهم غلاظا في سعيهم الى اسقاط الوزراء يبشرونهم بالاعدام السياسي وكأنهم فرقة قتل وليسوا نوابا يمثلون الشعب, بل حتى هذه اللحظة خطابهم السياسي اشبه ببلاغات جيش تحرير وطلائع نصر تملي ارادتها على امة لا تقوى على الرفض.
ما قاله الرئيس جاسم الخرافي في مؤتمره الصحافي هو ما يجب ان تكون عليه الدولة, فلا تخاف من قلة تتجمع في احدى ساحاتها وترفع عقيرة صوتها مهددة فترضخ لها الحكومة, فالدولة القوية القادرة لا تخاف الابتزاز, انما تعمل على قطع دابره, و دولة القانون لا تقبل الرمادية في معالجة قضاياها, لان القانون ليس قوس قزح, بل هو ابيض او اسود, المتهم امامه اما مجرم او بريء, وليس مجرما وبريئا في آن معا, وردع كل من تسول له نفسه ابتزاز الشعب والدولة ضرورة لقيام الدولة التي اذا هادنت اصبحت وقودا لنار طمع المبتزين الذين كلما القموا طلبا رفعوا صوتهم اكثر لنيل المزيد.
لا يعني الفجور السياسي ان صاحبه على حق, بل عليه ادراك ان غيره لهم اصواتهم الناطقة بالولاء للدولة وولي الامر والقانون. اصوات عاقلة ورزينة تقول كلمة الحق ورغم انخفاض نبرتها الى انها قوية الاثر في العقلاء, وعقلاء الكويت كثر, وشعبها ليس متخلفا تنطلي عليه حيل بعض تجار الشعارات.
في مؤتمره الصحافي كان الخرافي يقولها علنا “اللهم اني قد بلغت… اللهم فاشهد”. نعم يا ابو عبدالمحسن لقد بلغت وما بلغتنا به هو ما كان يثير رعبنا ورعب اولادنا على مصير الوطن ومستقبله, ولذلك نوافقك الرأي ان »ليس علينا ممن يفتي وهو ليس اهلا للفتوى او من يهدد وليس بيده شيء, بل يجب ان نسير وفق دولة المؤسسات«, لا سيما بعدما ازاح حكم المحكمة الدستورية عن كاهلنا كابوسا رهيبا قض مضاجع الكويتيين طوال الفترة الماضية, الا ان الامل باليد الرحيمة الحانية لولي الامر كان يشد من عزيمتنا ويبشرنا دائما ان غيمة هذا الكابوس لن تستوطن سماء الوطن الى الابد.

أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.