احمد الجارالله: لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم

ماذا يمنع الدولة من شراء قروض المواطنين وقطع الطريق على تجار السياسة الذين يستغلون ذلك لتجييش الناس ضدها من خلال جعلهم تلك القضية طعما يتصيدون فيه الناخبين, في ما هم يلعبون على وتر مطالب المواطن المحقة ليحققوا مصالحهم الباطلة? لماذا لا تحصن الدولة نفسها بنزع الذرائع من ايدي اولئك التجار وتسترد المواطن المخطوف سياسياً?
قضية القروض ليست وليدة اليوم, فهي موجودة منذ بضعة عقود وآخذة بالتراكم من دون وجود ما يبشر بحلها, أوليس مستغربا ان دولة لا يتعدى عدد مواطنيها 1.2 مليون نسمة بينهم 300 الف مقترض من البنوك, وهناك 50 الفا صدرت ضدهم احكام قضائية وباتوا مطلوبين للعدالة? أليس الكثير من الازمات والمشكلات الاسرية والاجتماعية ناشئة من قضية القروض? ألم تهدم بيوت بسبب هذه المشكلة وضاعت العديد من الاسر?
لنتحدث بصراحة, هذه القروض قديمة جدا وبعضها منذ ما قبل الغزو, ومع الاسف فإن البنوك ساهمت بتفاقمها أكان من خلال التسهيلات الكبيرة التي منحت للمقترضين وبخاصة الذين يرتبطون بصلة قرابة او صداقة مع بعض مديريها, فيما كانت ما تسمى بغرفة المخاطر في البنك المركزي مغيبة عن ذلك او يجري التحايل عليها, وترك المواطن فريسة للعجز نتيجة تراكم فوائد القروض التي اصبحت اكبر من اصل الدين, بينما الدولة لم تحرك ساكنا طوال تلك السنوات الى ان اصبحت القضية اهم مصادر الاستغلال الانتخابي.
صحيح ان مسؤولية هذا الخطأ يتحملها ثلاثة اطراف- المواطن والبنوك والدولة- وهذه الاخيرة ربما لها القسط الوافر في ذلك لانها عندما اكتشفت الخطأ لم تبادر الى وضع حل ومنع انزلاق المزيد من المواطنين في هاوية العجز المالي, بل تركتهم فريسة لتجار السياسة والانتخابات الذين تنافسوا في التدليس على الناس بادعاء كل منهم أنه صاحب الحل السحري ليزيد رصيده الانتخابي بوعوده الكاذبة حول اسقاط القروض, ولهذا فإن غالبية الذين تجمعوا في ساحة الارادة ليرددوا شعارات اولئك التجار هم من اصحاب الديون والذين يعانون من مشكلات جراء ذلك.
ماذا ستخسر الدولة اذا فتحت صدرها لهؤلاء المواطنين واشترت قروضهم او فوائدها, واتفقت مع البنوك على سعر مخفض اما لاصول الدين وإما للفوائد, فتصبح هي الدائنة للمواطن وتمنع تراكم الفوائد, في الوقت الذي يتخذ فيه البنك المركزي اجراءات مشددة حيال منح القروض, وبخاصة في ما يتعلق بملاءة المواطن المالية للتسديد وضمان عدم تعثره في ذلك? اذا اقدمت الدولة على ذلك عندئذ سيتنفس المواطن الصعداء ولن يكرر هذه التجربة المريرة ثانية, وسيقبل بتسديد الدين للدولة في ظل الشروط الميسرة التي ستضعها في هذا الاطار, لأنه بالدرجة الاولى سيتحرر من عبء تراكم الفوائد مستقبلا.
ما الذي يمنع الحكومة من انشاء صندوق لشراء هذه الديون, وامامها الف خيار وخيار في هذا الشأن? عندها سيتحرر المواطن من اسر تجار السياسة والشعارات والانتخابات,وهي تكون عملت بالمثل الشعبي العربي على ان “لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم”, فالحركة الائتمانية تتحرر من عبء هذه الديون التي تصبح عند تعثر اي مدين ميتة وغير قابلة للتحصيل, ولا يعود باعة الشعارات اصحاب اليد الطولى في القرار السياسي للدولة.

أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.