خلاصة هذا البيان لا تحتاج تطويلا، محاولة تغيير جغرافية الدوائر أو آلية التصويت في الانتخابات القادمة لن تنتج موالاة حكومية، ولن تنجح في تقليل ائتلاف الغالبية المعارضة، ما عدا ذلك يدخل في دائرة تفسير النتيجة.
اجراء الانتخابات المقبلة بأي شكل كان ( خمس دوائر بأربعة أصوات أو صوتين/ عشر دوائر بصوت واحد أو صوتين) لن يخلق استقرارا سياسيا من النوع الذي تريده السلطة. في هذه الدراسة سأنظر في الجدوى السياسية لكل من هذه الخيارات، وسأحاول تبيان مميزات وعيوب كل منها. النتيجة النهائية التي أصل إليها هي أن إجراء الانتخابات وفق نظام الدوائر الخمس بأربعة أصوات يعني أن كتلة فبراير 2012 ذات الستة والثلاثين عضوا ستعود بأغلبية جديدة (ما بين 31-34) لكن حتى تعديل جغرافية الدوائر أو القوة التصويتية للناخب سيرجعها في الغالب بأغلبية مريحة فوق الثلاثين نائبا. في ستة محاور سأتناول هذه الخلاصة، في المحور الأول أبين صعوبة النتيجة التي يراد تحقيقها عبر تغيير النظام الانتخابي، في المحور الثاني أدعي أن ليس نواب المعارضة القدامى فقط في مأمن من السقوط الانتخابي المقبل، بل حتى المعارضون الجدد يشاركونهم الحظوظ الانتخابية، في المحور الثالث أتفرغ لنقاش حول دور جو الانتخابات المقبلة في تعزيز مكاسب المعارضة، المحور الرابع اخصصه لشرح فرضيتي «أن السلطة عليها الاستيقاظ سريعا من فهم التصعيد السياسي، والازمات المتكررة على انها نتاج بضعة نواب مشاغبين، بل كل الضرورة استيعاب حراجة الموقف المتلخص في مزاج شعبي عام يدفع نحو التأزيم»، وثانيا لبيان صحتها أمبريقيا، في المحور الخامس أفند الوهم الشعبي الذي يدعي أن فتح الباب لأقليات كل دائرة هو طريقنا إلى خلق أغلبية حكومية موالية. المحور السادس يسخر من فرص كتلة النواب الوطنيين الانتخابية أولا، وثانيا من أي دور لهم في خلق استقرار سياسي. محصلة ما أكتب واضحة وصريحة، لا مفاجآت انتخابية مقبلة، فالأغلبية النيابية ستكرر نجاحها في أي نظام انتخابي.
منهج الفحص الجديد
صحة النظريات الفرضية ستعتمد على قدرتي في اثباتها امبريقياً.. نهجي في هذا الاثبات سيكون عبر فحص النمط التصويتي للناخب الكويتي في فبراير 2012 وفق الدوائر الخمس. أنظر في كل دائرة على حدة، اصنف أول خمسة وعشرين مرشحاً في كل دائرة وفق توجهاتهم السياسية الى مجموعة معارضة ــــ مجموعة موالاة ــــ مجموعة من لم أستطع تعريف توجهاتهم السياسية. أجمع اجمالي الاصوات التي حصلت عليها كل مجموعة وأخلص الى نسب مئوية تحدد الرأي العام الشعبي الداعم لكل من المعارضة والموالاة. أكتشف عندها الطابع التأزيمي لغالبية المجتمع الكويتي، مع هذا الاكتشاف تظهر لا جدوى لمحاولة العبث بقسمة الدوائر أو آلية التصويت، اذ كونهم أغلبية شعبية لا فقط أغلبية برلمانية يعني أن محاولة ابقائهم تحت الخمسة والعشرين نائباً فاشلة بكل المقاييس.
لابد من شرح عدة قيود حكمت على منهج هذا الفحص: أولاً، آليتي في تصنيف المرشحين الى معسكري موالاة ومعارضة اعتمدت على دراسة لمواقف هؤلاء المرشحين السياسية ـ انتماءاتهم السياسية والحزبية ـ تصريحاتهم الصحفية ـ تصريحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ــــ حضورهم أو عدمه لندوات المعارضة أو الموالاة. لكني كنت حذراً للغاية فلم اضع في هذين المعسكرين الا من وثقت تماماً بانضمامه الى احدهما، وغير ذلك وضعته في مجموعة مستقلة هي «من لم أستطع تعريفه» (في ملحق هذه الدراسة أضع تفصيل تصنيفي للمرشحين الخمسة والعشرين الأوائل في كل دائرة).
إشكالية التصنيف
ثم انني اذ صنفت أعضاء كتلة العمل الوطني كموالاة، فمواقفهم وحتى تصريحاتهم الاخيرة تؤكد انهم لم يعوا الدرس بعد وسيظلون أقرب للموالاة، لكن في الوقت نفسه خلافهم مع المعارضة واضح. هذه المعضلة وجدت حلها حين فوجئت بتدني تمثيلهم الشعبي (في 2012 حصلوا على %3.8 فقط من اجمالي الاصوات التي حازها أول خمسة وعشرين مرشحا في الدوائر الخمس، أو %3.5 من اجمالي اصوات 2012) فقررت تصنيفهم موالاة لانه لن يحمل تأثيراً واضحاً على محصلة الدراسة النهائية، ثم أن اعتبارهم موالاة قد يحمل من الخطأ قدر حمله من الصواب لكن تصنيفهم كموالاة يتيح لي فرصة اثبات فرضيتي باعتبار أفضل الحالات للسلطة فستظل غالبية مجتمعية تدفع للتأزيم. ثانياً، فحصي للنمط التصويتي سيكون مقتصراً فقط على أول خمسة وعشرين مرشحاً في كل دائرة، اضطررت لمثل هذا التقييد كون أغلب المرشحين بعد المركز الخامس والعشرين هم من المغمورين الذين لم استطع تصنيفهم سياسياً، لكن عموماً بتغطيتي للأصوات التي حصل عليها أول خمس وعشرين مرشحا في كل دائرة تكون عينتي شملت أكثر من %90 من اجمالي أصوات 2012 الانتخابية (%91 من اجمالي أصوات الدائرة الأولى ــــ %92 من اجمالي أصوات الدائرة الثانية ـ %90 من اجمالي أصوات الدائرة الثالثة ــــ %92 من اجمالي أصوات الدائرة الرابعة ــــ %96 من اجمالي أصوات الدائرة الخامسة ).. وبالتالي تكون عاكسة تماماً لتوجهات القاعدة الانتخابية المصوتة.
النتائج والبداية بالخامسة
النتائج التي وصلت اليها مذهلة، مدلولاتها واضحة لا تحتاج الى بيان، سأبدأ بالدائرة الخامسة (الجدول رقم 1) نحتاج جميعاً الى التأمل في كثافة النمط التصويتي الذي يصب في جعبة المعارضة %80 من مصوتي فبراير 2012 اختاروا مرشحي المعارضة، وسيرتفع العدد أيضاً اذا اعتبرنا الذين اختاروا مرشحين لم أستطع الجزم بهويتهم التصويتية، تفكيك هؤلاء الثمانين في المائة من مصوتي فبراير 2012 الى دوائر انتخابية اصغر أو تقليص قوتهم التصويتية، هل تعتقد سيجعلهم يغيرون قناعاتهم؟ ثم أين البديل؟ فاذا كان الصوت الموالي في أحسن الحالات لم يسجل أكثر من 8 ــ %10 من اجمالي مصوتي فبراير 2012 كيف سينتعش هذا الصوت الموالي ويأتي بأغلبية مهادنة ؟ الصورة تزداد قتامه حين نتذكر أن الدائرة الخامسة أكثر الدوائر كثافة ( تعادل الدائرة الأولى والثانية مجتمعتين )، وبالتالي فالأغلبية الشعبية هنا ستكون عبئا في محاولة رسم أي خريطة دوائر جديدة، ففي أي تقسيمة دوائر جديدة ستسيطر الأغلبية الشعبية في الدائرة الخامسة بفضل كثافتها العالية على هذه الدوائر الجديدة وستوصل نوابها المعارضين للمجلس مرة أخرى.
سوداوية في الرابعة
حين ننتقل الى معقل المعارضة في الدائرة الرابعة (الجدول رقم 2) تظل الصورة سوداوية، أولاً الكثافة التصويتية لمرشحي المعارضة تبين أن الظفر بمقاعد هذه الدائرة بأي آلية تصويتية أو تقسيمة جغرافية ستكون نزهة للمعارضة لا أكثر، يجب ملاحظة أن شخصيات المرشحين الذين لم أتبين توجهاتهم السياسية تبدو مائلة أكثر الى ناحية المعارضة لا الموالا، ثم يظل السؤال معلقاً أين البديل الذي سيظفر بمقاعد الدائرة ان أتيحت له الفرصة؟
المعارضة سيدة الموقف
في الدائرة الثالثة تختلف الحسابات (الجدول رقم 3)؛ ما زالت المعارضة هي سيدة الموقف بحصولها على أكثر قليلاً من نصف الأصوات الانتخابية؛ كذلك قراءة في صناديق الدائرة توضح أن رغم تقارب الأصوات الانتخابية التي حصل عليها كل من الموالاة (%48.5 من إجمالي المصوتين) والمعارضة (%51.5 من إجمالي المصوتين) فإن المعارضة نجحت في كسب مقعدين انتخابين إضافيين وذلك بفضل حالة تشتيت الأصوات في القاعدة الانتخابية للموالاة وهو الأمر المتوقع ليس فقط تكراره في انتخابات جديدة لكن أيضاً زيادته. لاحظ أن أي قسمة جديدة لمناطق الدائرة إلى دائرتين جدد لن تستفيد منه إلا الأقلية الشيعية في الجابرية فتضمن مقعد جديداً (أو مقعدان إذا كانت الدائرة الجديدة تضم مشرف/ بيان/ مبارك العبدالله). كذلك تبرز فرصة للمستقلين في دائرة أصغر يسهل النجاح فيها؛ وحده روضان الروضان من المستقلين مرشح لاستغلالها فهو ما زال يمتلك قاعدة انتخابية قوية وممركزة في منطقة واحدة هي الروضة (1563 صوتا في فبراير 2012) وبالتالي نجاحه هو الآخر ليس مستبعداً لكنه في نهاية مجلس 2009 كان معارضا فهل تغيرت قناعاته الآن؟ ثم يجب ملاحظة أن باستثناء الجابرية فإن نواب المعارضة جميعاً استسقوا أصواتهم من جميع مناطق الدائرة بصورة تعكس الترتيب النهائي تقريباً وهذا يلقي بظلاله على الجدوى الانتخابية من تقسيم الدائرة إلى دوائر أصغر مادام الصوت المعارض متسيداً في جميع هذه المناطق؛ ثم لا بد من التشديد على أن الثقل البدوي في خيطان لم يكن له تأثير في ترتيب العشرة الأوائل (في فبراير 2012 حتى من دون احتساب صناديق خيطان يظل صالح الملا في المركز الحادي عشر بفارق 408 اصوات عن العاشر) وبالتالي حتى التخلص من خيطان في قسمة دوائر جديدة لا تخلص السلطة من نواب التصعيد السياسي.
naser@alfadaluh.org
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق