علي اشكناني: ساهر الليل والناقلات

لا شك أن مسلسل ساهر الليل بأجزائه الثلاثة والتي مثّل كل جزء منها عقداً مختلفاً من حياة الكويت نال من الشعبية ما لم تنله العديد من المسلسلات, وقد تتفق الأغلبية- الشعبية وليست النيابية- أن الجمهور الكويتي لم يرَ مسلسلاً جيداً مثل هذه السلسلة منذ زمن بعيد, على الرغم من كل الانتقادات التي وجهت والأخطاء التي وقعوا فيها من خلال الديكورات والأدوات المستخدمة والتي قد تكون تنتمي إلى حقبات ثانية.
إنني أعتقد أن الشغف الذي ناله هذا المسلسل يعود جزء منه إلى رغبة الكويتيين في العودة إلى الزمن الجميل, وأن متابعته تسرق أقل من ساعة من حاضرنا المر لتعيدنا إلى زمن كنا فيه الرواد في مجالات عدة, وكانت النفوس أصفى مما هي عليه الآن, في وقت لم نسمع فيه عن المد الصفوي, أو لم نعرف كتل الانبطاحيين والأحرار, زمن كان المعارض، ورغم الرصاصات والقبع خلف السجون، يحمل حسا وطنيا عاليا, وطرحا راقيا عاليا يقارع عنان السماء, في زمن كانت جامعة الكويت تتطور وتزيد من كلياتها دون التركيز بتفاهة في “منع الاختلاط” وفصل الحطب عن النار كما جاء في المذكرة التفسيرية له, لكن هل يعرف الكويتيون فعلا تاريخهم حقا؟ أعتقد أنه آن الأوان لتوثيق مراحل عدة من التاريخ الكويتي من خلال مختلف الوسائل الممكنة, آن الأوان لكي يخرج لنا “فلتة” يوثق ما حصل في الغزو العراقي وقبله في فترة السبعينيات والثمانينيات من حل غير دستوري لمجلس الأمة, آن الأوان ليعرف أن انتخاباته زورت في الـ1967, وآن الأوان ليعرف أن هناك لصوصا سرقوا “الوطن” أثناء الغزو العراقي ليبنوا “أوطانهم” الخاصة, آن الأوان ليعرف الشعب الكويتي أسماء مثل مبارك فالح النوت, وأسرار القبندي وأحمد قبازرد وغيرهم, وأن شهداء الكويت أكثر من شخص “واحد”, أبطال يجب أن تحفر أسماؤهم على قلوبنا التي أصبحت رخامات سوداء لا يجد النور إليها طريقا.
كم هو جميل ذلك الزمن, حيث لم يعتقد الكويتيون أن مناطق وطنهم ستصبح ذات حكم ذاتي, ويخرج نائب الأمة الذي يعتقد أنه الحاكم العرفي لمنطقة ما، ويحاول منع مسرحية ما بحكم مذهب أو جنسية من يمثل فيها لا لما تمثله من قيم واعتبارات, حتى لو كانت لجان هذا النائب النسائية ترقص في حفل افتتاح مقره, وتصفق له وتهلل وكأن الله سيفتح على يديه القدس من جديد.
الإخوة العنصريون, ومن يعتقدون أن الشعب الكويتي تافه ويصدق أكاذيبهم التي يبثونها من خلال الإعلام، وطننا يحتضر ولم يبق له شيء من الممكن أن يفخر فيه إلا مساحة ضيقة من الحرية, فدعونا نتنعم بها… وارحمونا يرحمكم الله.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.