نحن شعب يحب التكريم أكثر من العيش. وتتوالى حفلات التكريم عندنا بمناسبة وبلا مناسبة، بل إنه من كثرة ممارسة التكريم الرسمي يصبح حفل التكريم مملاً لا معنى له وكأنه أداء واجب قسري أكثر منه إظهاراً للتقدير وربما الامتنان للمكرَّم.
وقد تختلف بعض الحالات التكريمية عندما تكون الأجواء حميمية، الحاضرون جاؤوا لا للمجاملة أو للظهور أو لإثبات موقف، ولكن لمشاركة المكرمين إنجازهم أو فرحهم. كانت تلك الأفكار تتزاحم برأسي وأنا جالس في حفل التكريم الرائع الذي نظمته “مجموعة ٢٩” للطلبة البدون الفائقين في الثانوية، بعد أن عجزت وزارة التربية عن أن تجد لهم مكاناً في حفلها التكريمي العادي التقليدي والممل بالضرورة. أما لماذا لم يتم تضمين الطلبة والطالبات البدون الفائقين في الحفل الرسمي، فلا جدوى أن نبحث أسبابه فهو ليس إلا جزءاً من كلٍّ متراكم من التمييز المؤسسي الذي يستمتع به المسؤول ليظهر المنطق ركيكاً هزيلاً. تكريم الطلبة والطالبات البدون الفائقين هو حدث يتجاوز بمراحل فعل التكريم ذاته، وينتصر على حالة الانكسار ليحيلها إلى تفاؤل بالمستقبل والأمل في أن نعيش يوماً في مجتمع لا تمييز فيه أو على الأقل لا تمييز رسمياً.
كانت تلك المناسبة شعبية بامتياز، ودون تردد قادها ونظمها نساء ورجال وفتيان وفتيات كويتيون متطوعون رفضاً للتمييز الذي يدمر المجتمع وتثبيتاً لقيم المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص في مجتمع تاهت بوصلته، ومن حضر وشاهد وأحس كما أحسست، ورأى نوعية الحضور الكويتي من شخصيات متميزة في المجتمع قد يفهم ما أعني. فربما هي من المرات النادرة التي يتم فيها احتفال كهذا دون رعاية شخصية رسمية أو دون خطابات إنشائية لا يؤمن بها حتى مَن يلقيها، كان نوعاً مختلفاً من التكريم الذي اعتدناه، ولذا امتلأ مسرح عثمان عبدالملك في جامعة الكويت بالطاقة الإيجابية العفوية، وحلت محل الإحباط، ولو للحظات، حالة تفاؤل جميلة، ولِمَ لا؟
ما جرى مساء الخميس لا يمكن أن نسميه حفل تكريم، فقد كان أكبر من ذلك بكثير بل هو تجمع حقيقي لمن يريدون مجتمعاً متحاباً متكافئاً متساوياً مستقراً عادلاً، وبالتالي ينقسم المجتمع إلى فئتين، فئة تؤمن بالعدالة والمساواة وكرامة الإنسان والحرية، وفئة مائعة تبرر تمييزها بكل أنواع المبررات.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق