النقاش الدائر حول دستورية قانون الدوائر الانتخابية وتعديلها من عدمه والخوف من طعون انتخابية جديدة جاهزة في حال أي انتخابات جديدة على القانون الحالي وفكرة تحصين القانون، هو نقاش مستحق.
لكن تجب العودة إلى الماضي غير البعيد، هذا القانون لم يأت بضربة حظ أو لعبة نرد، إنما جاء في خضم حملة شعبية لتعديل الدوائر في 2005 دفع الحكومة لتشكيل لجنة حكومية برئاسة وزراء سابقين أعطت رأيها في هذا القانون، وكان لها تقرير منشور ومكتوب، وفيه فلسفة واضحة أهمها معالجة بعض العيوب التي شابت القانون الذي صدر في 1980 وقسم الكويت إلى خمس وعشرين دائرة وأهم هذه العيوب ظواهر نقل القيود الانتخابية وما سمي بالنقل، ظواهر عدم عدالة التوزيع الجغرافي والعددي أو ما يسمى بظاهرة الجري ما ندرنج Gerrymndering، وهي ظاهرة عالمية تتحدث عن أشكال التحيز الجغرافي المتعلق بالدوائر الانتخابية ويقصد بها التحكم قدر المستطاع في نتائج الانتخابات.
وتمت انتخابات 2008 وكذلك انتخابات 2009 وانتخابات 2012، التي ألغيت بحكم المحكمة الدستورية وبدأت تظهر بمظاهر جديدة وعيوب أهمها عدم وجود عدالة في أعداد الناخبين بين دائرة وأخرى، وما أثير حول لماذا يصوت الناخب إلى أربعة أصوات وليس أكثر وأقل؟ وهو سؤال يعود لفلسفة التعديل، الذي وضع بعين الاعتبار عدم سيطرة أغلبية عدا الحكومة على مجلس الأمة، وهو أمر سقط واقعياً في انتخابات 2012 حيث اتخذت مجاميع الفائزين، بما سمي بالأغلبية، مما يعكس تعديلاً يشم فيه رائحة رد الفعل، وهو أمر لا يستقيم مع بناء القوانين وبالذات التي تجرى على مستوى وطني مثل الانتخابات.
ما يجري الحديث عنه حول نية الحكومة الذهاب إلى المحكمة الدستورية، وما الذي ستقوله في مذكرتها حول قانون الانتخابات؟ وما المدة التي سيأخذها طلب التفسير أو الحكم؟ وهل سيبطل القانون الحالي؟ وهل سنعود إلى النظام الخمس وعشرين أو قانون الدوائر القديم؟ وخلال هذه الفترة، وهي فترة
قد تأخذ شهرين أو ثلاثة، تأخرت فيها الميزانية العامة للدولة لعدم إقرارها من المجلس وتعطيل مصالح العباد،أسئلة مشروعة! وإذا كان هذا الشلل والفراغ يتطلبان صدور مراسيم ضرورة وفقاً للمادة 71 من الدستور بعد أن يحل المجلس، هل سيكون قانون الانتخاب بالشكل المتوافق عليه أم سعيد تأجيج النقاش والشارع، قضية الدوائر الانتخابية قضية تشريعية صرفة تدخل فيها اعتبارات مهمة وهي في كل دول العالم توضع بعين الاعتبار.
الحجم السكاني لكل دائرة ونسب التمثيل، العامل الإداري، عامل التجاور الجغرافي، العامل الاجتماعي وهي جميعها تلعب دوراً في تحديد النظام الانتخابي ولا يوجد في العالم أجمع نظام فيه العدالة المطلقة.
وأكثر من ذلك في الكويت هنالك نظام «الانتخابات البلدية» وهو نظام يقسم الكويت إلى عشر دوائر انتخابية، ويصوت الناخب صوتاً واحدا،ً ولكنه نظام «عليل» كرس القبلية والطائفية وساهم في تفتيت مكونات المجتمع، ومن يرغب في معرفة المزيد عن هذا، فهنالك رسالة دكتوراه منشورة باسمي عن النظام الانتخابي البلدي ضمن منشورات مركز البحوث والدراسات الكويتية.
تجربة الكويت الانتخابية عمرها الآن خمسون عاماً، وحجم الناخب الذي ابتدء في 1961 أقل من عشرين ألف ناخب ووصل اليوم إلى أكثر من 400 ألف ناخب، تتطلب تأنياً ودراسة توضع فيها المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وليست قضية ردود أفعال أو رغبة غير مدروسة، وتتطلب إشراك الرأي العام حتى يكون هذا النظام الانتخابي عامل استقرار وكابح لتمدد السلطات على بعضها البعض، وليس عامل تأجيج قد يؤدي إلى فوضى وانعدام الاستقرار.
اللهم احفظ بلادنا بعقلائها وحكمائها وأن يلهم مسؤولينا الحكمة والنظرة البعيدة الثاقبة.
د. محمد عبدالله العبدالجادر
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق