خليل حيدر: السلف .. ومنع بناء الكنائس

كلما تحسنت صورة المسلمين في الإعلام الدولي صدر من العالم العربي أو الإسلامي ما يشوهها من جديد. وكلما حاول الغربيون ان ينسوا العمليات الارهابية والتوجهات المتشددة في الأوساط الإسلامية، وطالبوا بالمزيد من الحقوق للأقليات ولمختلف الاديان في اوروبا ودول امريكا واستراليا وغيرها، قفز الى عناوين الصحف المزيد من أخبار التشدد الديني، الذي يعيد قضايا التسامح والاعتدال بين المسلمين والمسيحيين.. الى نقطة الصفر.
في الكويت اليوم جدل واسع ومتكرر منذ عقود، بهدف منع بناء اي كنائس جديدة، وازالة القديم منها ان امكن، بل اخراج المسيحيين من المنطقة الخليجية وربما العربية برمتها. وان آثروا البقاء فعليهم تحمل كل ما يرسمه بعض شيوخ الدين والإسلاميين من حدود لحريتهم الدينية، والحقوق التي تنص عليها القوانين الدولية والتي أقرتها دولة الكويت بشهادة المجتمع الدولي فنحن نحتفل منذ نصف قرن في الكويت بيوم الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
الحملة يقودها شيوخ دين والعديد ممن يحمل شهادة الدكتوراه، وممن زار الدنيا، او سافر على الاقل مع حملات العمل الخيري، وتعرف عن قرب الى المجتمعات الحديثة، دون ان يغير ذلك للاسف الكثير من تحامله على «اليهود والنصارى»، وبالطبع على اتباع العديد من الاديان الاخرى.
كنت اقارن موقف هؤلاء، بما يجري اليوم في اوروبا، وفي اشد الدول «كاثوليكية»، اي ايطاليا واسبانيا.
ففي ايطاليا حملة ضد عمل ادبي شديد الأهمية في التراث الادبي الايطالي والعالمي.. مراعاة لمشاعر المسلمين!
وقد جاء في «القبس» ان منظمة حقوقية إيطالية، «غيروش 92» تدافع عن حقوق الانسان، «اعتبرت هذا العمل الذي يعد من عيون تاريخ الادب الايطالي ينطوي في الحقيقة على إهانة لمشاعر المسلمين، بقدر ما تعبر هذه الملحمة الشعرية لذانتي الليجري عن نزعة عنصرية تغذي مشاعر العداء للإسلام في ايطاليا وفي الغرب على وجه العموم»، ورأت «غيروش 92» ان الكوميديا الالهية، تنطوي ايضا على تشهير باليهود وتحمل طابعاً معادياً للسامية، مطالبة بحذفها من المناهج الدراسية في مدارس ايطاليا بسبب ما وصفته بطابعها العدواني التمييزي»، واضافت الصحيفة ان القضية «تكتسب المزيد من السخونة لأن منظمة «غيروش 92» تعد من المنظمات الحقوقية الايطالية المرموقة وغير الحكومية ويعتد بآرائها لدى الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بحقوق الانسان (2012/3/23).
انقل هذا الكلام واذكر القارئ ببعض الكتب المقررة على طلبة وطالبات كلية الشريعة، او التي تدعوهم المقررات في الكلية الى مطالعتها، وما فيها من تحامل وتكفير ضد الاديان والمذاهب الأخرى! صحيفة «الجريدة» الكويتية نشرت مقابلة مع احد المستشرقين الاسبان، «د. جوزيب مونادا»، استاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة مدريد، وقد تم توجيه سؤال له يقول: «ما صورة العربي والمسلم في المناهج التعليمية الغربية»؟ فأجاب: «هناك دراسات منذ سنوات حول هذه المسألة، واعتقد ان الصورة في السنوات القليلة الماضية تحسنت، وتم حذف الموضوعات المسيئة للإسلام والمسلمين». (2012/7/27).
د. ناظم المسباح، رئيس لجنة الفتوى في «جمعية احياء التراث الإسلامي» السلفية يقول: «لا يجوز ان تبنى كنائس في جزيرة العرب. وقد اعتبر العلامة ابن باز – رحمه الله – الكويت ضمن حدود جزيرة العرب. ولذلك لا يجوز ان تبنى كنائس فيها، وفتوى وزارة الاوقاف واضحة في هذا الشأن، وهي عدم جواز انشاء كنائس جديدة ويبقى القديم منها، وكذلك فتوى اللجنة الدائمة للافتاء بالمملكة العربية السعودية ترى عدم جواز انشاء الجديد من الكنائس والإبقاء على القديم «(الأنباء 2012/7/28).
والحقيقة ان الخلاف حول الإبقاء على الكنائس والمعابد ليس مقتصراً على جزيرة العرب، والتي يختلف الدارسون في حدودها، بل يشمل ذلك دولاً اخرى مثل العراق والشام ومصر، وهناك كتاب مفصل ضمن كتب عديدة، بعنوان «أحكام أهل الذمة» لابن القيم الجوزية المتوفى عام 751 هجرية، يتناول كل صغيرة وكبيرة في مسائل التعامل مع المسيحيين في المجتمع الإسلامي، وهو كتاب اساسي لدى المسلمين كماهو معروف، ولكن هل يستطيع اي حاكم إسلامي ان ينفذ هذه التعليمات اليوم، الداعية الى الكثير من اشكال التمييز ضد المسيحيين واليهود في المأكل والملبس والحقوق المدنية وبناء الكنائيس وغير ذلك؟ الا ينبغي للمسلمين ان يضعوا طبيعة العصر ومصالحهم كذلك في الاعتبار؟
ثم ان الدكتور ناظم المسباح يدعو الى إلزام الكويت ما قد يصلح للسعودية او يناسبها او تسمح ظروفها به، فهل كل ما يفتي به شيوخ الدين هناك، تستطيع الكويت ان تنفذه هنا بسهولة؟
ثم لماذا يجيز الدكتور الفاضل الزام نفسه والاخرين فتوى صادرة من خارج الكويت ويعيب مثلا على من يريد التزام أحكام وفتاوى من شيوخ الدين في ايران وغيرها عندما لا تتناسب مع ظروف الكويت؟
هل السلفية تعني للدكتور المسباح وضع الحاضر في قوالب الماضي ام العكس؟
الشيخ محمد حمود النجدي يكرر بنفس المنهج السلفي الحديث الداعي الى طرد «اليهود والنصارى من جزيرة العرب»، ولكن هل هذه اليوم اولوية لمصلحة المسلمين كما كانت للإسلام في بداية ظهور الدعوة؟
هل يعلم الشيخ الفاضل ما الذي سيحدث لأمن الكويت والسعودية ودول مجلس التعاون وللتوازن العسكري ولعملات دول الخليج وللتجارة والعقار والاقتصاد والتنمية وللمستشفيات والمختبرات إن تم فعلا تطهير المنطقة الخليجية والجزيرة العربية من غير المسلمين؟!
د. بسام الشطي كذلك، للأسف الشديد، يسير في ركاب هذه الحملة دون تبصر، ويشير الى الدول الأوروبية التي تعوق بناء المساجد او تضع شروطا صعبة لبنائها، ولكن هل الكويت يا أخ بسام قادرة على ان تقود العالم الإسلامي في حملة دينية معاكسة ضد أوروبا وغيرها؟ لماذا لا يترك الامر لتركيا مثلا او اندونيسيا او ماليزيا او مصر او السعودية، او منظمة الدول الإسلامية بمكة؟ ام ان الكويت البطلة الوحيدة، والقوة العظمى لخوض كل المعارك.. ولتذهب سمعتنا الدولية في داهية!
ثم من الذي جعل بعض الدول الاوروبية وغير الاوروبية تتخوف من بناء المساجد ومن تزايد المسلمين فيها الا يستحق هؤلاء بعض اللوم في تصريحاتك ومقالاتك.. زميلنا الفاضل؟

كارثة «دار العروبة»

شب حريق مدمر في «مكتبة دار العروبة» بحولي قبل ايام، بسبب تماس كهربائي، حيث التهم الحريق اعدادا كبيرة من الكتب وتعرضت كتب كثيرة للتلف بسبب اجراءات اخماد النيران وكذلك الدخان الذي نجم عن الحريق.
ان كل محبي الثقافة والمهتمين بها في الكويت يدركون الدور البارز الذي قامت به هذه المكتبة الفريدة لا بتزويد القراء بالكثير من الاصدارات المحلية والعربية فحسب، بل وكذلك بنشر العديد من الكتب الادبية القيمة. كما كانت دار العروبة من المكتبات الرائدة في توفير الكتب القديمة والمطبوعات النادرة فجمعت بذلك الماضي بالحاضر وحمت الكثير من التراث المطبوع قبل سنين طويلة، من الضياع والاهمال.
اننا جميعا محبي الثقافة في الكويت نعلن تعاطفنا الشديد مع الاخ الكبير الدكتور خالد جمعة الذي تحمل الكثير من الاوضاع المالية والصحية الصعبة في حرصه الدائم على استمرار المكتب في مستواها الثقافي المعروف، وجلب كل ما هو قيم ومفيد لخدمة القراء وما منا من احد الا ويناشد وزارة الاعلام الكويتية وكل المسؤولين وكل القادرين تقديم ما يمكنهم من مساعدة مالية كي تجتاز دار العروبة محنتها، ويستطيع صاحبها اعادة ترميمها والتعويض عن الخسائر الفادحة التي تعرضت لها المكتبة.
إننا جميعاً نقف إلى جانب د. خالد عبدالكريم جمعة متمنين من مختلف جمعيات النفع العام والمكتبات الكويتية الأخرى وكل القراء الذين يدركون مكانة دار العروبة ان يبادروا كذلك الى التقدم بمختلف وسائل الدعم كي تعود المكتبة الى وضعها المعروف وتواصل المسيرة.

خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.