صالح الغنام: لمسة وفاء

أشعر بأن ذكرى الغزو العراقي الغاشم هذا العام أتت بشكل مختلف نوعا ما, ربما لأن الذكرى الثانية والعشرين صادفت هذه المرة يوم خميس, وهو ما زاد وأجج من لوعة الذكرى ومرارتها, أو ربما لأنها تزامنت مع عرض المسلسل الرائع “ساهر الليل”, الذي أشعل الآلام في النفوس وجعل دموع الصامدين تنهمر قبل ساعة من موعد الإفطار. الشاهد, وأيا كانت الأسباب, فإن أحاديث الناس وذكرياتهم عن الغزو هذه المرة كانت بالنسبة لي غير, لأنها تركزت بشكل أكبر وأكثر مما سبق على الجوانب الاجتماعية والإنسانية, وإن كنت أرى أن السبب في هذا يعود لتأثر الناس وتفاعلهم مع أحداث مسلسل “ساهر الليل” الذي تبثه محطة “MBC” عصر كل يوم.
خلال الأيام القليلة الماضية, استمعت لعشرات الحكايات من بعض الأسر التي اضطرت لمغادرة الكويت أثناء الغزو, بعض تلك الحكايات قديم وبعضها جديد اسمعه للمرة الاولى, وكلها تتحدث عن كرم ومروءة وشهامة أهلنا في “الخليج” وفي الدول التي ارتحلوا إليها. بالطبع كان من بين الحكايات, قصص وسوالف تسود الوجه أتى بها بعض المحسوبين علينا ككويتيين, ولولا “العيبة” لتبرأنا منهم ومن أفعالهم وجشعهم و”هلاقتهم”, ولكن عشمنا كبير بوعي أهلنا في الخليج, فقد كانوا قادرين على التمييز بين الخبيث والطيب. المهم, وأنا أستمع لتلك القصص والحكايات, سألت أرباب الأسر الكويتية إن كانوا مازالوا يتواصلون مع الأسر والعائلات التي استضافتهم وأكرمتهم وأعانتهم في محنتهم, فكان جوابهم بالنفي, وعذرهم الانشغال بمتاعب الدنيا!
أهل الكويت, أهل وفاء ومروءة, وهم يحفظون المعروف ولا ينسوا أهله قط, وأعلم أن مشاغل الحياة كفيلة بإلهائنا عن أداء الواجب, إلا أن هذا لا ينبغي أن يكون مع أناس فتحوا بيوتهم وعطلوا مصالحهم وأربكوا حياتهم وضحوا براحتهم وتحملوا الكثير من أجل مواساتنا ومساندتنا والتخفيف عنا, ثم بعد هذا كله, نستكثر عليهم مكالمة تلفونية نقول فيها “شكرا”, أو هدية رمزية نرسلها لهم امتنانا وتقديرا كلما مرت ذكرى الغزو أو التحرير! الحكومة لم تقصر, فهي في كل مناسبة تشكر وتستذكر بالخير مواقف الدول التي وقفت الى جانبنا, ولكني أتحدث عن الدور الشعبي, وتحديدا الأسر الكويتية التي خرجت مضطرة وتلقت العون والإحسان من مواطنين في “الخليج” والدول الأخرى, فهؤلاء معنيون أكثر من غيرهم بإظهار معدنهم الثمين وشكر الناس على طيب صنيعهم… انتبهوا, أنا لا أذكركم بالوفاء, فأنتم أهل الوفاء والجود والنخوة, وما مقالتي هذه إلا جرس تنبيه يوقظكم من مشاغلكم!

salehpen@hotmail.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.