التمييز تؤيد عقوبة فيصل اليحيى لإفشائه أسرار العمل

أكدت محكمة التمييز أن المعلومات والبيانات الخاصة بإدارة الفتوى والتشريع، بصفتها صاحبة الاختصاص الأصيل في إبداء الرأي في المسائل القانونية والعقدية والدولية، وكذلك تمثيل جهات الادارة امام القضاء، سرية بطبيعتها دون حاجة الى اتخاذ اي اجراء آخر لاضفاء هذا الطابع عليها، حفاظا على هيبة الادارة وطبيعة المهام المنوطة بها قانونا، واحترام ما تبديه من فتاوى في المسائل التي تندرج في اختصاصها تحقيقا للمصلحة العامة.

وأشارت المحكمة برئاسة المستشار يوسف المطاوعة وعضوية المستشارين محمد السيد الرفاعي وجمال العنيزي ود. حسني درويش ومتولي الشراني في حيثيات حكمها برفض الطعن المقام من النائب السابق في المجلس المبطل فيصل اليحيى بصفته محاميا في ادارة الفتوى والتشريع، وتأييد العقوبات التي اتخذتها ادارة الفتوى بحقه بسبب انتقاده الفتاوى التي اصدرتها ادارة الفتوى والتشريع، إلى أنه يقتضي عدم ادلاء اعضاء الادارة بأي معلومات وبيانات تخص الادارة وحدها دون سواها، الا في ما ترى الافصاح عنه وبترخيص منها في ضوء التعليمات الصادرة في هذا الشأن.

وذكرت انه مهما كان وجه الرأي في ما انتهت اليه الادارة في وصف المخالفة، وفي سرية او انتفاء سرية المعلومات والبيانات بنشرها في مضبطة مجلس الامة التي تناولها الطاعن في مقاله المشار إليه فإن حقيقة المخالفة المسندة تكمن في التعليق على ما ورد بالفتوتين الصادرتين عن الادارة بشأن السؤالين الموجهين إلى رئيس مجلس الوزراء من أحد أعضاء المجلس بشأن مصروفات ديوان رئيس الوزراء وموضوع الشيكات.

مخالفة صارخة

وتابعت المحكمة ان ما حدث من الطاعن يعد مخالفة صارخة لما تفرضه عليه واجبات ومقتضيات عدم التعرض لما تصدره الادارة من آراء بالنقد أو التعليق علنا، ما يثير البلبلة لدى المواطنين، ويقضي إلى عدم الاستقرار القانوني واهتزاز الثقة بعمل الادارة، ويتناقض مع المصلحة العامة، ما يعد مخالفة صريحة لما تضمنه التعميم الصادر من رئيس الفتوى والتشريع رقم 8 لسنة 2009 من حظر ابداء آراء قانونية او غير قانونية تخص الادارة او تتعلق بعملها ونشرها في الصحف.

وزادت ان اليحيى طعن على حكم محكمة الاستئناف، الذي الغى حكم محكمة اول درجة، وانتهى إلى رفض دعوى الغاء القرارات التي اتخذتها ادارة الفتوى والتشريع بمعاقبته، بأن تلك القرارات صدرت رغم عدم تمكينه من الاطلاع على قرار احالته للتحقيق، وعدم مواجهته به، كما ان التحقيق الذي جرى معه بشأن واقعة مشاركته في تجمع ساحة الارادة لم يشمل زملاءه ممن شاركوا في الندوة، فضلا عن افتقاد الدليل على صحة قيام المخالفة.

وردت على اليحيى بأن التحقيق هو التقصي الموضوعي والمحايد والنزيه لاستبانة وجه الحقيقة واستجلائها في ما يتعلق بصحة حدوث وقائع محددة، ونسبتها إلى شخص بعينه، والاحاطة التامة بمختلف جوانب المخالفة بالتمحيص، وصولا إلى وجه الحق والعدالة.

ضمانات التحقيق

وشددت المحكمة على انه من ضمانات التحقيق المقررة في هذا الشأن ثبوت استدعاء الموظف للتحقيق معه في مخالفات منسوبة اليه، فإن حضر وأبدى دفاعه في ما نسب إليه تم التحقيق على وجهه الصحيح، وإن تخلف ولم يمكن ينكر استدعاؤه للتحقيق، فإن ذلك يعد تسليما بصحة حصول الاستدعاء، ويكون بذلك قد فوت على نفسه فرصة الدفاع عن نفسه واهداره ضمانة اساسية خولها له القانون.

وأشارت إلى ان جهة الادارة تكون في حل من المؤاخذة عن توقيع الجزاء عليه من أدلة الثبوت ضده، ويستطيع أن يتدارك ما فاته من دفاع امام المحكمة، كما أن تقدير احالة الموظف إلى التحقيق معقودة للسلطة المختصة قانونا، وهي من الملاءمات المخولة لها، فإذا رأت ان المخالفة التي وقعت تشكل خروجا على واجبات الوظيفة ومقتضياتها، احالته للتحقيق لاستظهار وجه الحقيقة، حتى يتسنى لها اتخاذ الاجراء الاداري المناسب، بما يحقق صالح العمل وانضباطه ويحفظ للوظيفة كرامتها وهيبتها.

وقالت المحكمة في حكمها الثابت من الاوراق ان المطعون ضده الاول بوصفه سلطة الاحالة للتحقيق اصدر قراريه المؤرخين في 12/11/2009 باحالة الطاعن للتحقيق معه فيما هو منسوب إليه، على النحو السالف بيانه ومن ثم اخطاره بتاريخ 10/12/2009 لحضور التحقيق كما تم اخطاره عن طريق رئاسة قسم الاستئناف الاداري والتمييز في ذات التاريخ بموجب كتاب موجه من المطعون ضده الاول إلى رئيس القسم، وبتاريخ 13/12/2009 حضر الطاعن بناء على استدعائه للتحقيق واحاطة المحقق بالمخالفة الاولى المنسوبة إليه، اما المخالفة الاخرى وهي اهانة احد كبار المسؤولين، فلم يحضر للتحقيق، رغم استدعائه اكثر من مرة، وطلب أجلا لتقديم مذكرة بدفاعه وقدم مذكرة موجهة إلى المطعون ضده الاول انصبت على عدم اخطاره بقرار احالته الى التحقيق، ولم يتناول في دفاعه الرد على المخالفات المنسوبة إليه ونفيه اياها.

استكمال التحقيق

ولما كان الحكم قد خلص إلى أن التحقيق استكمل كافة المقومات القانونية والضمانات اللازمة من استدعاء للطاعن ومثوله امام المحقق ومواجهته بما هو منسوب إليه، واتاحة الفرصة له للدفاع والرد على ما وجه إليه من مخالفات، إلا أنه امتنع مختارا الدفاع عن نفسه استنادا إلى ذرائع لا قيمة لها من الناحية القانونية.

واضاف الحكم انه ولئن كان صحيحا ما يثيره الطاعن من قيام زملاء له بالادارة بممارسة العمل السياسي والاشتراك في الفعاليات العامة ومؤسسات المجتمع المدني، ومنهم من كان حاضرا ذات التجمع المشار إليه، ولم تفكر الادارة في مساءلته تأديبيا، فإن هذا لا يصلح أن يكون سببا من اسباب الاباحة التي تضفي على افعال الطاعن صفة المشروعية او مانعا من توقيع الجزاء الاداري لأن الخلل في ادارة المرفق ـ فرض وجوده ـ لا يصح الاستناد إليه في طلب البراءة وأن سكوت الادارة عن مثل ما ارتكبه الطاعن من مخالفات ارتكبها آخرون لا يزيل عنه وصف المخالفة.

إخلال

وقالت محكمة التمييز ان السبب في القرار التأديبي ـ بوجه عام ـ هو اخلال الموظف بواجبات وظيفته او اتيانه عملا من الاعمال المحرمة عليه سلبا أو ايجابا، او يسلك سلوكا معيبا ينطوي على تقصير او اهمال في القيام بعمله أو في اداء واجبات وظيفته او خروج على مقتضياتها او اخلال بكرامتها او بالثقة الواجب توافرها فيمن يقوم باعبائها ومن المقرر كذلك ان اختيار الجزاء المناسب للذنب الاداري هو ما تستقل بتقديره الجهة الادارية متى كان قرارها قائما على سبب يبرره واقعا وقانونا كافيا لحمله، كما أنه من المقرر ايضا عدم جواز توقيع أكثر من جزاء واحد على الموظف بسبب نفس الخطأ وخلال نفس الفترة الزمنية ارتكب فيها وذلك ما لم يوجد نص قانوني صريح بذلك، بمعنى أنه لا يجوز توقيع عقوبتين اصليتين نهائيتين عن نفس الخطأ بالنسبة للشخص ذاته، وخلال الفترة الزمنية ذاتها المرتكب فيها الخطأ.

سلطة تقدير

وبينت المحكمة ان الحكم المطعون فيه بما له من سلطة تقدير قيام سببي القرارين المطعون فيهما وصحة الوقائع التي بنيا عليها وصحة تكييفها القانوني وتقدير مدى ملائمة الجزاء وتناسبه مع ما نسب إلى الطاعن، قد خلص إلى «مشروعية هذين القرارين وقيامهما على صحيح اسبابهما ـ بحسب الثابت من المستندات، وعدم انكار الطاعن لما نسب إليه لا سيما في ظل الظروف والملابسات المحيطة، بالواقعتين المشار إليهما، من نشر تعليق على رأي إدارة الفتوى التي ينتمي إليها، على ما سلف بيانه، دون إذن، ومشاركته في التجمع المشار إليه، وفيما نسب إليه من أقوال تشكل خطأ قوامة مخالفة واجبات وظيفته التي تفرض عليه ان يسلك المسلك اللائق بكرامتها والثقة اللازم توافرها فيمن يشغلها، وان يلتزم بواجب التحفظ ويقصد به ذلك الواجب الذي يقع على عاتق الموظف عندما يعبر عن رأيه علانية ان يوزن كلماته وبالشكل الذي يعبر فيه عن رأيه وما خلص إليه الحكم المطعون فيه «أن حرية الرأي وما يتفرع عنها باعتبار ان ممارسة هذه الحرية يجب أن تتم في الاطار المرسوم لها قانونا، والذي يختلف ضيقا او اتساعا حسب اختلاف مواقع ممارسيها واحوالهم، على اساس أن حرية الرأي التي يعم سقفها ويتسع بالنسبة لعضو السلطة التشريعية عند ممارسته لوظيفته في رقابة اداء السلطة التنفيذية تضيق إلى درجة الحظر، بالنسبة لشاغلي مثل وظيفة الطاعن التي انطوت على ما سبب الايذاء الادنى والمعنوي بشخص من وجهت إليه، وهو ما كان يجب أن يتجنبه الطاعن لخروجه عن نطاق حرية الرأي والنقد الموضوعي»، وإذ خلصت المحكمة من ذلك إلى ثبوت المخالفتين محل قراري الجزاء المطعون فيهما في جانب الطاعن ثبوتا يقينيا، ومن ثم قيامهما على سببهما المبرر لهما قانونا.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.