“ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (الأنفال 53).
أعتقد, وكما ذكرت في مقالة نشرت سابقاً في هذه الصفحة, أن النضج الديمقراطي يشير إلى صفات نفسية وسلوكيات شخصية معينة يتمتع بها الفرد وتمكنه من التعامل المسؤول مع الحرية الديمقراطية. وتؤهله ذهنياً وعاطفياً للمساهمة الفاعلة في مجتمعه كمواطن حق.” ولذلك فمن المستبعد أن يتحقق “نضج ديمقراطي” ما دام يفتقد المجتمع الإنساني الى نموذج عام للمواطنة الحقة المعاصرة. وهذه الأخيرة “المواطنة الحقة” تتجلى أيضاً في شعور عضو المجتمع المدني الديمقراطي والعصري أنه ينتمي فعلاً وبشكل كامل لبيئته الاجتماعية الوطنية, فسلوكياته وتصرفاته في حياته اليومية تشير إلى قبوله الكامل باستحقاقات الممارسة الديمقراطية. وفي سياقنا الكويتي, أعتقد أن احدى الأزمات الفكرية والتي تبدو تديم نفس التناحر والتماحك السلبي هو ضعف ثقافة المواطنة الحقة. فالذين من المفروض أن يمثلوا النموذج الايجابي للمواطنة الحقة, كبعض الناشطين في الحياة العامة, يتغافل بعضهم عن أهمية حفاظه على سمعته الشخصية كقدوة للمواطنين الآخرين. ومن هذا المنطلق, وما دام ديدن التعامل بين بعض هذه الشخصيات العامة يبدو انه يرتكز غالباً على التنافر الشخصي فيما بينهم وغلبة النفس التماحكي في علاقاتهم, فنصيب المجتمع من “النضج الديمقراطي” يبدو انه سيبقى ضحلاً للغاية, إلا من رحم ربي.
وبالطبع سيصعب تكريس نضج ديمقراطي وممارسات ديمقراطية بناءة وإيجابية ما دام العنوان الرئيس للتفاعل السياسي والانتخابي بين بعض زعماء التيارات السياسية المختلفة مبني على عدم الثقة فيما بينهم, ومحاولاتهم المستميتة لإظهار فشل الطرف الآخر! فأحد متطلبات النضج الديمقراطي هو قبول الناشطين في العملية الديمقراطية لأحقية الآخرين بالإعلان عن آرائهم مهما كانت, وقبول الطرف المعارض لنتائج الممارسات الديمقراطية العادلة والصحيحة. ولكن إذا استمر غياب القبول السمح والرياضي, إذا أردتم لما تنتجه العملية الديمقراطية, فلا طبنا ولا غدا الشر, بل وسيستمر النضج الديمقراطي بعيد المنال ما لم يصل المشاركون في العملية الديمقراطية المحلية الى توافق فيما بينهم حول طبيعة “المواطنة الحقة” التي يريدونها أن تتحقق في مجتمعهم. وأخيراً: لا يمكن إقناع أحدهم بممارسة نضج ديمقراطي وتفكير عصري, ما دام يستمر يستخدم طريقة التفكير نفسها التي أوصلته في السابق إلى انعدام النضج الديمقراطي! والله المستعان.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق