الحقيقة التي لن يستطع أحد المزايدة عليها هي أن الممارسة الديمقراطية في الكويت لن ترجع إلى الخلف، فوعي المواطن أكبر بكثير مما يتصور البعض، وسيزيد مع مرور الوقت، وإن اختياراته ستتحسن متى ما شعر بالاطمئنان لدولة القانون، وإنه بحاجة إلى مجلس يراقب ويشرع القوانين لا مجلس كمكتب لتخليص المعاملات.
تعديل الدوائر وتحديد عدد الأصوات أخذ منحنى وابتعد عن هدفه الأساسي الذي يفترض فيه تحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية، وذلك من خلال إعادة التوزيع الجغرافي حسب الكثافة السكانية لدعم الممارسة الديمقراطية. الحاصل هذه الأيام من تصلب طرف الأغلبية عبر تمسكها بمشروع التصويت الحالي، يقابله تسريبات حكومية عن نيتها إجراء بعض التعديلات، كجس نبض وقياس رأي الشارع في ذلك دون أن تجرؤ على تقديم رؤيتها بشكل صريح، وكأن البلد حقل تجارب، كما أن ترددها في أخذ رأي المحكمة الدستورية حول مشروعية تقسيم الدوائر وعدد الأصوات زاد الطين بلة. هذا الوضع الضبابي أربك الكل لا سيما كتلة الأغلبية التي لا ترغب في أي تعديل، رغم تحفظ بعض أعضائها على الشكل الحالي للدوائر، وذلك للتفاوت الكبير بين أعدادها؛ لذا وقبل الدخول في حسبة التعديل يجب أن يعالج الشق القانوني حتى لا يكون هناك طعن في سلامة الانتخابات, كما أنه من المهم تكييف النصوص القانونية لتحقق أكبر قدر من العدالة بين المواطنين، ولتساهم بشكل واضح في وأد المخرجات الطائفية والقبلية والطبقية، بحيث لا يمكن أن تسمح بنجاح أي مرشح يريد دخول المجلس عبر مطية التعصب. مخرج تعديل الدوائر لا يبدو أنه سيلقى القبول طالما لم تهيَّأ له الظروف، ومنها قبول شعبي يرضي أغلبية أبناء المجتمع وطالما ظلت فكرة السيطرة على مخرجات المجلس همّ الحكومات المتعاقبة، فإن كانت تقسيمتا العشر والخمس والعشرين لم تكونا بمتناول الحكومة، فما بالك بأي تعديل آخر، ولذا على الحكومة تقبل وجود نواب معارضة حتى لو أكثرية في كل المجالس. الحقيقة التي لن يستطع أحد المزايدة عليها هي أن الممارسة الديمقراطية في الكويت لن ترجع إلى الخلف، فوعي المواطن أكبر بكثير مما يتصور البعض، وسيزيد مع مرور الوقت، وإن اختياراته ستتحسن متى ما شعر بالاطمئنان لدولة القانون، وإنه بحاجة إلى مجلس يراقب ويشرع القوانين لا مجلس كمكتب لتخليص المعاملات. المخرج من حرج الدوائر يتم من خلال توزيع يجمع الكويتيين لا يمزقهم إلى شرائح، كما أن قبول مخرجات الشعب مهما كانت، وأيضا تخلي الحكومة عن فكرة وجود نواب المولاة أو استقطاب نواب المعارضة، هي مسؤولة عن تصرفاتها “امشي عدل يحتار عدوك فيك”. ما نحتاجه فعلا هو حكومة على قدر من المسؤولية تقوم بواجبها وفق رؤية وطنية، بالمقابل نواب يعون دورهم الذي اختارهم الشعب لأجله، وأن يكفوا عن إشعال الفتن التي يصر بعضهم عليها.
سؤال: تدافع وتسابق الكتل السياسية بتقديم رؤاها الوطنية حول الإصلاح يقابله صمت حكومي غريب، وكأنها متفرج يقرأ الأحداث من جريدة أو أنها ليست معنية بتقديم رؤيتها في مجمل الأحداث؟ ودمتم سالمين.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق