سامي الخليفة: الإمارة الدستورية

على الرغم من أن بيان المعارضة جاء ردّ فعل على إحالة الحكومة قانون «الدوائر الانتخابية» إلى المحكمة الدستورية، فإنه جاء بخطوات عملية كالنزول إلى الشارع، ومطالب مرتفعة كالـ «الإمارة الدستورية» و«الحكومة البرلمانية المنتخبة».
وهي مطالب أقل ما يمكن وصفها به هو التمهيد لشبه انقلاب على الواقع السياسي القائم اليوم، ما يجعلنا نقف أمام حقيقة غاية في الخطورة، وهي كيف لنا أن نطور نظامنا السياسي من خلال ردود فعل سياسية يغلب عليها طابع التكتيك المصحوب بالسخط والضجر والانفعال، في وقت يتطلب هكذا سقف مرتفع من المطالب «طبخة» أكثر نضجا وعمقا من الوصف الذي جاء به عنوان مقالي هذا.
ولنتجرد من الواقع الاصطفافي القائم اليوم في البلاد، لنتحدث بلغة أكثر موضوعية في تقييمنا لما جاء في بيان المعارضة من مطالب، ونبدأ بحقيقة لا يختلف عليها أحد، وهي أن المطالب الشعبية مهما ارتفعت، فهي في ذاتها تمثل حقاً طبيعياً للمجتمع الذي ينشد التطور في كافة المجالات، وعلى جميع الأصعدة، ومنها الجانب السياسي، فالتطور والنمو في المؤسسة السياسية فطرة تنسجم والتطورات التي تشهدها المجتمعات عبر العصور والأزمنة المتتابعة، ولا ضير في ذلك.
ولكن ما هو مطروح اليوم تشوبه الكثير من العثرات التي تضر مطالب بيان المعارضة ولا تخدمها، سأوجز أهمها في ثلاث نقاط هي:
أولا: المناخ السياسي الذي طرحت فيه المطالب هو مناخ ملوث بامتياز، تنشط فيه عملية الهدم لا البناء، ولا يمكن أن يؤدي إلى تأصيل عملية ترميم متطورة للمبنى القائم اليوم، لذا من الطبيعي أن يُشوّه هذا المناخ السلبي أي مولود دستوري مهما كان راقياً، ليصبح غير قابل للتطبيق. ولا يمكن أن يتم قبول طرح قضية غاية في الأهمية وتتعلق بقيادة المجتمع بكل مكوناته وأطيافه بتلك اللغة الاستعلائية وهذا الذوق الاصطفافي المقيت، الذي تشتمّ منه رائحة مقدمات الصراع السياسي وليس التوافق، ما سيعيدنا جميعاً إلى المربع الأول.
ثانيا: أين الدراسات العلمية والأبحاث السياسية وجلسات العصف الذهني بين الخبراء والساسة التي توصلت إلى أن «الإمارة الدستورية» و«الحكومة البرلمانية المنتخبة» هي ذروة المنظومة السياسية العادلة والمتكاملة التي تسعى إليها جميع مكونات المجتمع الكويتي وتتمناها أجياله القادمة؟! أم هي من بنات الأفكار اللحظية لنشطاء المعارضة من نواب حاليين ومرشحين سابقين؟!
وما تعريف تلك المصطلحات السياسية المطروحة في البيان؟! هل القصد منها إعادة تفسير المادة السادسة من الدستور، أم إعادة تفسير المادة الرابعة منه، أم كلاهما معاً؟!
بمعنى آخر، لماذا لم تمهد المعارضة لتلك المطالب عبر التواصل مع كل أطياف المجتمع، بما فيهم السلطة، بهدف خلق رأي عام مستنير من شأنه أن يكون أرضية خصبة تساعد على طرح وقبول تلك المطالب المتطورة؟!
ثالثا: هناك أزمة ثقة حقيقية قائمة اليوم بين الحكومة والمعارضة من جانب، وبين المعارضة ومجموعة كبيرة من مكونات المجتمع المنقسم أصلاً. أزمة الثقة تلك لم تخلقها المعارضة فقط من خلال اتباع أسلوب الإقصاء والإلغاء للآخر المختلف، وممارسة الفجور في الخصومة معه منذ العام 2009 وإلى اليوم، بل وساهمت في خلقها الحكومة أيضاً من خلال اتباع سياسة «فرّق تسُد» بين مكونات المجتمع منذ السبعينيات وإلى يومنا هذا.
تلك الأزمة التي خلقت غشاوة تحول دون وجود أي رؤية منصفة وسليمة لأي طرف تجاه الآخر.
لذا لا يمكن أن يكون هناك توافق على مطالب يطرحها طرف، مادمنا نعيش في دوامة الصراع السياسي السلبي ودوامة الفجور في الخصومة.
باختصار.. لا ألوم من ينظر إلى تلك المطالب على أنها كلمة حق يراد بها باطل، ولا ألوم من رفض مطالب البيان، توجساً من نوايا و«أجندات» بعض الموقعين عليه، بل اللوم كل اللوم على الذي وضع تلك المطالب الفطرية والطبيعية في موقع الشبهة لتكون مرفوضة من المجتمع نفسه، قبل أن ترفضها الحكومة!
واللوم كل اللوم على الطريقة التي تم فيا طبخ المطالب، و»الطبق الذي قدمت فيه»!

المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.