صالح الغنام: عيادي

يمكن أسافر على غفلة, وحتى لا أنسى أو أخل بواجبكم, من الآن أقول لكم جميعا: تقبل الله طاعتكم, وكل عام وأنتم بخير… الله يسلمكم, أمس رحت للبنك القريب من منطقة سكني بغرض تبديل ما بحوزتي من أوراق نقدية قديمة بأخرى جديدة لزوم “العيادي”, فسألتني الموظفة: حضرتك عميل عندنا? قلت: “لا”, فقالت وهي تبتسم: آسفة, “العيادي” لعملاء البنك فقط. جاريتها الابتسام وظني أنها تمزح, فقلت وأنا أضع النقود أمامها: “أبي دنانير وخمسات وعشرات”. فكررت قولها السابق, ولكن بجدية هذه المرة: أخوي, صرف “العيادي” لعملاء البنك فقط! هنا أدركت أن الموضوع جد, فسألتها مستغربا: وما الضرر في صرف “العيادي” لي, خصوصا وأن المبلغ الذي أطلبه ليس كبيرا? فأجابت وهي تضغط زر الأرقام لاستدعاء الزبون التالي: أخوي, راجع المدير لو سمحت! بيني وبينكم, كبر الموضوع في رأسي, وعلى طريقة مسلم البراك, أقسمت ألا أبارح البنك إلا و”العيادي” في جيبي!
استقبلني المدير بود بالغ, وأكد لي أنهم لا يضنون علي ب¯ “العيادي”, إلا أن كمية العملات الورقية الجديدة التي تأتيهم من البنك المركزي محدودة, ويتم توزيعها بالتساوي على فروع البنك كافة, ومسألة اقتصار صرف “العيادي” للعملاء, أمر شائع بين البنوك جميعا, فقال وهو يضحك: شكلك أول مرة توزع “عيادي”! تجاهلت مغزى كلامه الخبيث وقلت: في العادة أصرف “العيادي” من قسم الخزينة في جهة عملي, ولكنها المرة الأولى ¯ وستكون الأخيرة ¯ التي أدخل فيها مصرفا لهذا الغرض. المهم, بريت بقسمي, وخرجت بما أردت, وكلي استغراب من هذا التخلف. نعم تخلف ونص, فمعظم دول العالم, بما فيها مصر التي كانت عملتها الورقية تذوب في جيب البنطلون لشدة قدمها, صارت عملاتها الورقية كلها جديدة وبمنتهى النظافة, ولم يعد هناك وجود إطلاقا للعملات الورقية المهترئة, ويشهد على هذا كل من زار مصر حاليا أو في الأعوام السابقة.
في كل الدول التي زرتها أخيرا, الفقيرة منها والغنية, وسواء في أوروبا أو آسيا أو أفريقيا أو الشرق الأوسط, لا أذكر بتاتا إنني رأيت أو لمست عملة ورقية قديمة, وكأن أيام هذه الدول كلها أعياد, وكأن بنوكها ومحلاتها وفنادقها وملاهيها ومنتجعاتها لا تتعامل إلا ب¯ “العيادي”. وحدها الكويت التي مازلنا نرى على عملتها الورقية أحبارا و”شخابيط” وتواقيع وكتابات, ومعظمها ممزق جرى لزقه بال¯ “بلاستر” الشفاف, هذا عدا عن رائحتها التي تزكم الأنفاس من فرط قدمها وعفونتها! أليس هذا معيبا بحق دولة غنية أن تكون عملتها بمثل هذا السوء? قبل سنتين تقريبا رجوت البنك المركزي سك عملة معدنية جديدة باللغتين العربية والإنكليزية, اليوم, أسحب رجائي ذاك, وأتوجه برجاء جديد للبنك المركزي بأن يسحب جميع العملات الورقية القديمة ويستبدلها بأخرى جديدة. “أعنبوكم فشلتونا جدام الأوادم. أبواكنا صارت حزرة من ريحة دنانيركم. حسبي الله عليكم, خليتونا نفرح بالفلوس اليديدة أكثر من اليهال… عيل أنا تردوني وتقولون لي ماكو عيادي”!
salehpen@hotmail.com

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.