عبدالله النيباري: بدر السالم.. منبع العطاء

في أواخر شهر رمضان الكريم ودعت الكويت بقلوب خاشعة المرحوم بدر سالم العبدالوهاب المطوع، الذي عرفه أهل الكويت واحدا من أكثر رجالها نبلا واخلاصا لوطنهم الكويت وأهلها ولأمتهم العربية وللقضايا الإنسانية بشكل عام.

فقد كان من أكثر الرجال صدقا ووفاء والتزاما بعمل الخير، ومن أشدهم حماسا لمساعدة الناس. ايا كان انتماؤهم أو عنصرهم او مذهبهم.

عاش ابو غازي مرحلة الامال العظام لطموحات بناء الدولة وتحديثها، ودفع عجلة التقدم والتطور فيها، والوصول الى عالم عربي متضامن، ان لم يكن متحداً.

فقد كان ابو غازي من جيل يعتبر امتداداً للرعيل الأول الذي غرس اسس النهضة والحداثة، وجيله عاش مرحلة التحرر الوطني التي اجتاحت العالم الثالث بعد الحرب العالمية الاولى، وتصاعدت بعد الحرب العالمية الثانية، مطالبة بالتخلص من الاستعمار بكل اشكاله؛ وجودا مباشرا او قواعد عسكرية او هيمنة اقتصادية، وسيطر على الموارد الطبيعية لبلدان العالم الثالث.

كانت الشعوب تطمح الى تحقيق الاستقلال واقامة الحكم الوطني، وامتدت حركة التحرر من الاستعمار وحلفائه ونفوذه الى البلاد العربية، واشتد عضدها بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى الأخص بعد نكبة فلسطين، وبرزت الحركات الثورية كثورة 23 يوليو في مصر، وثورة المغرب العربي: الجزائر وتونس والمغرب، وثورة العراق وثورة اليمن، كل ذلك الزخم يعكس آمال الشعوب في التحرر من الاستعمار وحلفائه، وتحقيق التقدم والتنمية في اطار العدل والمساواة.

عاش أهل الكويت متفاعلين مع تلك الاجواء، فعلى المستوى المحلي كانت لهم مطالب لبناء دولة القانون والمؤسسات، وعلى المستوى العربي كانت الكويت وشعبها سندا

وعضدا لثورات الشعوب العربية ضد الاستعمار. عاش المرحوم بو غازي تلك المرحلة بكل جوارحه متفاعلا معها شريكا في نشاطها بل مبادرا في اسهاماتها.

عندما فزع اهل الكويت لمساندة الشعوب العربية بتكوين لجان التبرعات تعبيرا عن تضامنهم ومساندتهم لاخوانهم في البلاد العربية، كان بدر السالم من اوائل المبادرين بتعاونه مع لجنة الاندية التي شكلت لجمع التبرعات في اوائل الخمسينات، ثم عضوا مؤسسا في اللجنة الشعبية لجمع التبرعات التي شكلت عام 1954 فتكونت اللجنة من شخصيات كويتية وترأسها صاحب السمو الشيخ صباح، وكان انذاك رئيسا لادارة الاعلام والصحافة واستمرت اللجنة الى يومنا هذا.

لكن دورها البارز كان في الخمسينات عندما هب اهل الكويت للتضامن مع مصر في مواجهتها للغزو الثلاثي (اسرائيل وفرنسا وبريطانيا) عام 1956 انتقاما من عبدالناصر لتأميمه قناة السويس، وكذلك بعد حرب عام 1967 ثم استمرت اللجنة في عملها في مساندة ثورة الجزائر وتواصلت مساندتها لأكثر البلاد سواء في مساندة حركاتها من اجل الاستقلال او للمشاريع الاجتماعية، ويعد ما انجزته مفخرة لشعب الكويت، اذ بلغ ما جمعته وساندت به اكثر من مليار دينار.

ابو غازي كان عضوا بارزا في تلك الانشطة، ولم يكن مبادرا بالتبرع، بل كان يقوم بجمع التبرعات كما يقول الدكتور احمد الخطيب صديقه الحميم.

بدأ بو غازي حياته تاجرا صغيرا عمل بتجارة الذهب بين الكويت والهند، وتعرض لعثرات ونهض، وقد وفقه الله ويسر خطاه واعطاه على حسن نواياه فنهض بجده واجتهاده وحسن نواياه وطيب شمائله.

كان معروفا بجرأته واقدامه يدخل في عمليات كانت تعتبر مخاطرة لكن نجاحه فيها كان مبهرا

ولكن ابو غازي ابرز ما يذكره اصدقاؤه ومعارفه ومن خالطه هو انكار الذات والبعد عن البروز. عمّر مسجدا انشأته قديما احدى العائلات في موقع قريب من المسجد الكبير بجانب موقع البنك المركزي بتكاليف كبيرة، وقامت البلدية بعد اكتمال الاعمار بوضع اسمه عليه، فطالبهم برفع اللافتة التي تحمل اسمه ووضع اللافتة الاصلية.

اثناء غزو صدام للكويت كان عونا لنشاط الكويتيين في لندن، يمدهم بما يحتاجون، وفي الوقت نفسه ابلغ اولاده في الكويت بأن يتصرفوا في كل ما يملك في الكويت واستخدامه لاغاثة الكويتيين، ومن حرصه كان يبلغ ابناءه بدفع المساعدات بطريقة رمزية، فمرة اتصل بي ابنه طارق وقال «الوالد يسلم عليك، وانه قال لي اتصل بزوج فلانة (زوجتي) ولم يذكر اسمك الصريح حذرا وخوفا عليك وشوف حاجته وجماعته واللي حواليه».

يوصف ابو غازي بأن التجارة وجمع المال بالنسبة له مهنة. ويجب ان يستعمل في عمل الخير فهو من الرجال الذين يعتبرون اسيادا للمال يسيطرون عليه ولا يسيطر عليهم او يعبدونه، وان من يعرفونه يقولون ان المال لا يعني له شيئا.. هكذا كان سخاء ابو غازي رحمه الله.

بقلم عبدالله النيباري
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.