إن الغالبية والأقلية في مجلس الأمة وجهان لعملة المؤسسة التشريعية ولازمتان لا مناص منهما لتسيير الممارسة البرلمانية بسلاسة ويسر ولهذا لا يجب أن تقوم العلاقة بينهما على التنافر والتهميش والتجاهل التام للطرف الآخر في اللعبة السياسية، فالبرلمان يجب أن يُعبر عن الشعب الكويتي الذي اختاره بإرادة حرة فأيا كان التمثيل فإن القضايا المصيرية يجب أن تكون بالمشاركة والتعاون، فصناعة مستقبل واعد لا تستطيع يد واحدة أن تقوم به، فوجود الغالبية يساهم بإنجاز المشاريع التي تهم المواطن وبلا شك فإن وجود الأقلية ضروري من أجل مراقبة عمل الغالبية، واستنفار الرأي العام في حال انتهكت المصلحة العامة، فالبرلمان بمثابة الجسر الذي تعبر من خلاله طموحات وآمال الأمة، والنواب المنتخبون غالبية كانوا أم أقلية هم الأجدر والأقدر على تسهيل عبور تلك الآمال والطموحات، فالقبة الدائرية وجدت لصنع القرارات لا للأجندات غير البريئة والهمس الخفي والنميمة السياسية حول من صوت ومن اقترح ومن شرع أولا؟! فالدور المحدد للنواب هو الرقابة والتشريع لا المناكفة السياسية المفتعلة لمآرب آخرى تتعدى العتبة البرلمانية، فتجريد السيوف كل حين من أغمادها والتلويح بها بين الطرفين لتصفية الحسابات لن ينتهي إلى خير المواطن والوطن إن بقي هذا النهج على ما هو عليه، والكارثة الكبرى إن كانت سيوف الأقلية ما هي إلا سيوف لرقصة العرضة والاستعراض السياسي التي ستطيح بها سيوف الغالبية لا محالة فلعبة عض الأصابع بين الطرفين لا تخدم أحدا.
على مأدبة غداء جمعني حديث مع صديق، بادرني حينها إلى إثارة النقاش بسؤال «هل الغالبية تُقصي الأقلية وتستحوذ على البرلمان»، كان جوابي «إن البرلمان ضم ألوان الطيف السياسي والنوع الاجتماعي والاختصاص الأكاديمي والقانوني وأنه من الجميل والمستحب أن تعترف الغالبية في مجلس الأمة بالأقلية شرط أن تعترف الأقلية بنفسها أولا وبقانون الأكثرية ثانيا، وألا تكون الأقلية مأخوذة بتكوين هويتها والاستماتة في الدفاع عن هذه الهوية، فإذا كان هذا نهج الأقلية في تأكيد الذات فكيف تحافظ المؤسسة التشريعية على نفسها وعلى استمرارها مادام هؤلاء لا يرون في المؤسسة التشريعية إلا وسيلة من الوسائل لخدمة مصالحهم ومصالح المحاسيب فيجب التعاون مع الغالبية لا معاكستها لتأكيد الذات ليس إلا، وعلى الغالبية ألا تتغوّل على إرادة الأقلية وتنفرد بها فالجميع شركاء في عملية سنّ القوانين، قال أليست الغالبية مهيمنة؟!، قلت في تقديري الغالبية متعاونة وليست مهيمنة مع التأكيد أنه لا أحد يقع خلف حدود النقد أو الخطوط الحمراء فمتوقع من المجلس مهمات جسيمة والمنطق يقول ان جميع النواب معنيون ومسؤولون أمام شعب يترقب الإنجاز بفارغ الصبر».
لذا يجب على الأقلية في المجلس إعادة حساباتهم وألا يحاولوا أن يظهروا أمام الناس كأنهم لا حول لهم ولا قوة، وأعينهم بصيرة وأياديهم قصيرة وحقيقة الأمر إن ذلك ليس إلا مراء ونفاقا سياسيا، ففكرة استحواذ الغالبية المسيطرة على فكر الأقلية أو مجرد التفكير بهذه الطريقة لن تتقدم الكويت خطوة واحدة للأمام، فالمراوحة في نفس الأساليب ستعود بالضرر على الكل، والعودة عن الخطأ شيمة من شمائل البرلماني الحصيف الصادق، لا أن يقتل طموحات وآمال الأمة بحجج ثملة مترنحة، ثم يجلس في المأتم يلطم فلا مصلحة للمواطن ولا مصلحة للدولة في هذه المآتم البرلمانية واسمحوا لي أن أسدي بنصيحة للطرفين «إن قيمة الدولة على المدى الطويل، هي قيمة الأفراد الذين تتكون منهم» فالتعاون الوطني بين الغالبية والأقلية مطلب شعبي لوضع حد للتأزيم المفتعل، الخلاصة علي أن أهمس بأمر «إن العمل البرلماني إن لم يكن توافقيا سيكون تناحريا لا قدر الله»، على أن يبقى مفتاح الحل بيد النواب خصوصا في هذه الظروف التي تحتاج إلى مزيد من الوحدة والوعي والتنبه لقطع الطريق على من يريد بنا شرا.
walmudhafpen@hotmail.com
Twitter: @wadhaAalmudhaf
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق