“يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِم أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلونَ” (النور 24 ).
لو كنا ننتمي لقوم آخرين لربما اخترنا عنواناً مختلفاً للمقالة مثل “القلم أشد فتكاً من السيف”, أو “الفن أشد وقعاً من السيف”! ولكن لأن ديواننا هو الشعر المنطوق والذي ليس بالضرورة أن يكون مكتوباً, فما يؤثر فينا -وبخاصة بشكل سلبي- هو ما نسمعه من “أفواه” بعض الأفراد الطائشين. أي ما يخرج من حناجر بعض المعتوهين, وربما ما تعرضه بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية, فوقعه علينا ربما سيكون فتاكاً ومدمراً, بل لا قدر الله لو بدأت فتنة حقيقية في بلاد العرب, فسيُكتشف أن سببها الأول ربما كان شتيمة أو قدحاً وقحاً أو نعتاً مقيتاً خرج من فاه ملغوم (صخبه أشد إيلاماً من أفعاله). فإذا كان ما نطرحه هنا في هذه المقالة فرضيات واقعية, أي تعكس جزءاً ملموساً من واقعنا الذي نعيشه, فالأحرى بحكمائنا وعقلائنا, وخصوصا في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الشرق الأوسط محاولة لجم بعض الألسن الخبيثة والتي يبدو انها بدأت تتقيح أفواهها بكل ما هو غث وبكل ما هو تهويلي, وكل ما سيؤدي حتماً لإشعال الفتن في المجتمع, لو سُمِح لتلك الأفواه أن تستمر في الهذيان وفي الكذب والتلفيق.
ولا نُعَوِّل كثيراً على اتعاظ الطائشين أو نتوقع منهم أن يتوقفوا عن طيشهم. ولكن ندعو عقلاء مجتمعنا ولاسيما اولئك الأفراد الوطنيين حقاً وأهل العزم وذوي الأنفة ومن يُشهد لهم بالآراء الرزينة إلى أن يحذروا بعض” الملاقيف” و”المقاريد” ومن فلتت ألسنتهم بأن يتوقفوا عن محاولات إشعال الفتنة في المجتمع. فإذا اشتعلت الفتنة بسبب عته أحدهم أو بسبب تجاوزه خطوطاً حمراً ليس من العقلانية تجاوزها, فسيخسر العقلاء والمسالمون قبل الطائشين. لأن المعتوه و”الملقوف” و”المقرود” وفالت اللسان والطائش لا يستوعبون تبعات الفتنة, وربما لا يأبهون كثيراً بما ستسببه من آلام وويلات وحقد.
بل إن الآية الكريمة: “يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” ربما تنطبق على عامة الناس, المذنبين وغيرهم. فعندما يرى أو يسمع الإنسان التقي والمواطن الحق شراً مستطيراً بدأ ينتشر في مجتمعه فعليه واجب أخلاقي أن يوقفه, على الأقل بالتأنيب الشديد ضد بعض الأفواه الخبيثة. وسواء تمت مكافحة حديث الفتنة بالقول أو بالنصيحة أو بالتأنيب الشديد ضد من يتفوه به, فيجب أن تستمر تلك الجهود المخلصة حتى نتمكن من دحر ما سيكون أشد فتكاً ووقعاً من السيف, والعياذ بالله. فلعل وعسى.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق