المقاطع: الفراغ التشريعي الواقعي لا القانوني ومخالفة الدستور

هل عدم انعقاد مجلس الأمة لفترة تزيد على الشهرين يشكل فراغاً قانونياً للسلطة التشريعية، وتُشكل من ثم مخالفة للدستور؟ سؤال لأهميته البالغة رأيت أن أبدأ به مقالتي، والإجابة عنه هي نعم، فإن عدم انعقاد مجلس الأمة لمدة شهرين متصلين، وهو ليس في فترة إجازة، يشكل مخالفة صارخة لأحكام الدستور، وقد أوضحت في دراسة علمية منشورة في مجلة الحقوق عام 1988، أنه لا يجوز أن يغيب مجلس الأمة عن الحياة الدستورية والسياسية العامة لأكثر من شهرين، سواء كان المجلس قائماً أو غير قائم، بل إن الدستور تشدد أيما تشدد بنصوص وأحكام عديدة ليمنع حدوث مثل ذلك، فلا يجوز أن تغيب السلطة التشريعية لأكثر من تلك المدة، وهو سبب تقرير المادة 107 عودة المجلس المنحل بعد شهرين من دون إجراء انتخابات جديدة جزاء على تلك المخالفة الدستورية، وإذا كان حكم المحكمة الدستورية الصادر في 2012/6/20 قرر عودة مجلس 2009 بقوة الدستور، واليوم هو 3/9 أي فات 73 يوماً من صدور الحكم ولم ينعقد المجلس، فهذا الوضع دستورياً يشكل مخالفة جسيمة تنتج عنه آثار قانونية أكثر جسامة وخطورة.

قد يقول قائل إن هذا الفراغ هو فراغ سياسي واقعي، وليس قانونياً، ناشئ عن امتناع أكثرية أعضاء مجلس 2009 عن الحضور، رغم أن رئيس المجلس دعا إلى انعقاده مرتين، وأقول هذا الكلام صحيح، لكنه فراغ صارت له تداعيات وآثار قانونية، ومن ثم أضحى فراغاً قانونياً ودستورياً يستلزم معالجته. فالعملية التشريعية متوقفة تماماً وهي أثر قانوني ناشئ عن ذلك الغياب، بل الميزانيات التي كانت واجبة الصدور في 1 أبريل، حسب نص الدستور وقانون الميزانية، رغم أنها أرسلت لمجلس 2012 في فبراير، وهي الآن لدى مجلس 2009، ولم يتم بشأنها شيء، وهذه مخالفة دستورية ترتبت على هذا التعطيل وذلك الغياب الواقعي، بل توجد حكومة مشكّلة دستورياً بشكل سليم، ولم تؤد قسماً أمام مجلس الأمة حتى الآن، وهذه مخالفة دستورية بسبب ذلك الغياب أيضاً. وهناك تعطيل لأحكام الدستور بشأن انعقاد مجلس الأمة، بل وتعطيل لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية، بل وتعطيل لأحكام اللائحة الداخلية بشأن انعقاد جلسات المجلس، وذلك كله بسبب ذلك الغياب، وتداعيات وآثار قانونية أخرى صار معها الفراغ دستورياً بكل ما تحمله هذه العبارة من تبعات.

والسؤال الآن هو: من يتحمل مسؤولية ذلك؟ إن كل عضو من أعضاء مجلس 2009 لم يقدم استقالته حتى اليوم ويمتنع عن حضور جلسات المجلس يتحمل مسؤولية تعطيل أعمال المجلس، وعليه لا بد من نشر إعلان غيابه عن الجلسة عملاً بحكم اللائحة، بل إنه ربما يشارك في جريمة قانونية اسمها «جريمة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي»، هو حكم المحكمة الدستورية الذي قرر عودة مجلس 2009 بقوة الدستور، فأيا كان التحفظ السياسي على هذا المجلس وهو ما سبق أن أوضحته، فإنه لا يجوز تعطيله، وإلا كان ذلك تعطيلاً وانتهاكاً لأحكام الدستور وسبباً في خلق فراغات قانونية أخرى.

إن المخارج القانونية من الوضع الراهن بدأت تضيق، فحل المجلس لم يتم حتى اللحظة، وفض دور الانعقاد غير ممكن من دون إقرار الميزانية إلا إذا اعتبرنا ذلك ضرورة، وأخيراً، قد يكون إعمال المادة 106 مخرجاً، ولكن كل تلك البدائل تعزز الفراغ، ولا تقضي على إشكالياته، والأسلم دستورياً هو انعقاد المجلس للقضاء على هذا الفراغ والمخالفة الجسيمين، أو استقالات للغالبية من أعضائه حتى يكون حله مبرراً.

اللهم إني بلغت،

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.