لا شك ان جماعة المقاطعة «ماكلين الجو» حسب التعبير المصري. او انهم يهيمنون ويسيطرون على الشارع والحراك السياسي. ولكن من المؤكد ايضا انهم ليسوا خير ممثل لهذا الحراك، ولا الأكثر تعبيرا حقيقيا عن المصلحة الوطنية والاتجاه العام. وغني عن القول ان كل هذا نتج اصلا عن «ثقافة المعارضة»، إذ ان المؤسف ان السلوك الحكومي او الرسمي الخاطئ والمعارض للمصلحة العامة طوال السنوات، او بالأحرى العقود الماضية، قد أكد ان «المعارض» له، أي لهذا السلوك، هو وحده الوطني وهو وحده الذي على حق.. لا لشيء إلا لأنه يعارض او يختلف والخط الحكومي المنحرف.
ان هذه الفرضية او السمة الاجتماعية والسياسية، التي استمرت منذ تزوير الانتخابات وحتى التحرير، من المفروض ان تتغير او بالأحرى ان «تصحح». فالسلطة او الحكومة لم تعد وحدها المذنبة، بل هي في هذه الايام ليست مصدر القلق وبؤرة التأزيم والتعديات المناوئة والمختلفة والمصلحة الوطنية.
ان جماعة المقاطعة، بل أغلبية نواب مجلس الامة، وبالذات منذ التحرير، هم من يشدنا الى الخلف، وهم وليس السلطة من يتعدى على الدستور، وهم من ينتهك الحريات، وهم وليس السلطة من يبعثر ويبدد المال والممتلكات العامة. لا اريد تبرئة السلطة وإضفاء النقاء والصلاح عليها، لكن المشكلة ان مقارنة أدائها وسلوكها السياسي مع اغلبية اعضاء مجلس الامة تكشف بلا عناء ان «الله يحللها عنهم». فالأغلبية النيابية مع الأسف، منذ انعتاقها من التحالف مع السلطة، وهي تتولى التخريب والتعطيل والهدم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ايضا.
السلطة لم تنتهك مواد دستورية او تعطل مبادئ ديموقراطية بشكل واضح منذ التحرير وحتى الآن، نواب مجلس الامة هم من تعدى على الحريات وهم من طالب الحكومة، بل حاول اجبارها في الاستجوابات على ملاحقة الاعلام وتعطيل الصحف والقنوات التلفزيونية. ونواب مجلس الامة هم من حض الحكومة على التعسف في ملاحقة الاحرار ومنع البعض حتى من دخول الكويت تحت ذريعة تهديده للعقائد او المواريث. واعضاء مجلس الامة منذ التحرير وهم من يجتهد لمصادرة الحريات الشخصية والتعدي على حقوق المواطنين العامة التي كفلها الدستور. بل ان حقا مثل حق الانتخاب والتمثيل السياسي للمرأة ما كان ليقر لولا الجهد والنشاط والاغراء الحكومي. اننا ندين للسلطة مع الأسف بالكثير من المنجزات والكثير من التحفظ والتصدي للانتهاكات، بينما لا نجد عند نواب مجلس الامة غير الأباطيل وغير الدوس ببطن الدستور تحت شعارات حمايته والذود عنه. في واقع الامر ان شعارات مثل «الا الدستور» ولا لــ«العبث الحكومي»، يعود سبب اطلاقها الى عقدة الشعور بالذنب ومحاولة التغطية على المجرم والجاني الحقيقي.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق