سليمان الخضاري: ظاهرة صحية بشرطها وشروطها

على الرغم من كل التشاؤم المفهوم والذي يعتمل في نفوس الناس تجاه ما يحدث في الكويت على معظم الأصعدة، إلا أن هنالك البعض منا ممن يرون في مجمل ما يحدث ظاهرة صحية، أو تكاد أن تكون كذلك!
من يقولون بذلك يجادلون في أن مجتمعنا لم يكن أبدا بالصورة الملائكية التي يحاول البعض رسمها والتغني بماض لا يرى فيه الرومانسيون الا ملحمة للتعاضد والتكاتف والتلاحم الوطني، وهو ما يخالف الشواهد التاريخية الكثيرة والتي تبرهن على وجود مظاهر للعنصرية والطبقية وشيئا من التخوين والاقصاء في الكثير من مراحل تطور الدولة الكويتية، ومن قبل معظم الشرائح الاجتماعية والسياسية ضد بعضها البعض.
يجادل البعض – وأنا منهم بدرجة أو بأخرى – إن ما يحدث الآن من طرح طائفي وفئوي وقبلي ومناطقي في الكويت لا يمثل إلا نقل ما كان يحدث خلف الأبواب المغلقة للنطاق العام والعلني، في انعكاس للتطور السياسي والاجتماعي الحاصل في البلد، بالتزامن مع التطور الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت.
لا أعتقد أن هنالك مشكلة في الاتفاق على ما سبق، على الأقل في إطاره الشكلي، لكن المشكلة تكمن في اسباغ صفة الصحة على مجمل ما يحدث، فالظاهرة تكون صحية اذا ارتبطت بمعايير معينة تدفع بنتائجها لأن تسير في اتجاه يحقق بالمحصلة كماً أو نوعاً من الايجابيات، يفوق ما يمكن أن ينتج عن الظاهرة من سلبيات، ولذلك فالسؤال المشروع هو في ماهية المعايير الضابطة لهذه الظاهرة والدافعة لها في اتجاه ايجابي.
أعتقد أن أهم المعايير تلك مرتبط بالالتزام بالنهج السلمي وضبط ايقاع التطور في الحديث عن مختلف الشرائح والتوجهات الاجتماعية والدينية بحيث لا يخرج هذا التقاذف بالتهم والألقاب عن الحد الأعلى المقبول في بيئة اجتماعية وسياسية تماهت فيها كرامات الأفراد بالجماعات، وما عاد من الممكن بسهولة توجيه نقد لشخص دون الزج بطائفته وعرقه وعائلته وكل ما ينتمي له بصلة!
الأمر الثاني المهم لضبط ما يحدث يكمن في استيعاب موقع الدولة في إطارها الاقليمي والدولي، ومدى تداخل الداخل بالخارج، حتى أصبحنا أكثر البلدان الخليجية تقريبا اتهاما من قبل الآخرين بالانكشاف السياسي والأمني، وهو ما قد يسهل للبعض استغلال مجمل المخاض السياسي والاجتماعي في الكويت للوصول لغايات ليس للكويتيين فيها ناقة ولا جمل!
وفي الحقيقة، ولولا معرفتي بحالة السبات العميق الذي تعانيه السلطة، لكنت قد وجهت خطابي هذا لها، لكننا أمام هذا الطوفان الجارف من التشنج والتصعيد الخطير بين أبناء الوطن، لا يمكنني إلا أن أضع جميع الفاعلين في الساحة أمام مسؤولياتهم في التصدي لما يحدث إشفاقا على الوطن وأبنائه من النتائج الكارثية لأي انفلات غير مدروس، ولا يخدم أي طرف، حتى من قد يقوم به!

Twitter: @alkhadhari
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.