هناك مثل شعبي كويتي يقول «مثل بيض الصعو.. نسمع فيه وما نشوفه»، والصعو هو طير صغير مهاجر حيث يضع بيضه في اماكن غير معلومة، ولذلك فمن الصعب رؤيته.
هذا المثل الشعبي ينطبق كثيرا على الكثير من المشاريع النهضوية التي يتحدث عنها المسؤولون في الدولة من وزراء ومن غير وزراء وهي مشاريع بعشرات ومئات الملايين من الدنانير، فيما مشاريع مماثلة تبنى في بلدان مجاورة واخرى بعيدة تكلف نصف ما يتم صرفه هنا على تلك المشاريع التي للاسف نسمع بها الا اننا لا نراها، مثل مشاريع المحطات الكهربائية وجسر جابر والمصفاة الرابعة، وغيرها وغيرها التي لا تحضرني في هذه العجالة، ولعل حديثنا هنا ينصب على مشروع واحد وهو من المشاريع النهضوية الثقافية التي فرحنا حين اعلنت الحكومة السابقة عن تبنيها، ولكن كالعادة والحكومة كلامها كثير وافعالها «مافيش»، هذا المشروع النهضوي الثقافي الذي اعنيه هو بناء دار الاوبرا، ولكيلا نلقي الكلام على عواهنة أو ان نتوارى عن الحقيقة، نقول ان مشروع دار الاوبرا من المشاريع القديمة وقد تم احياؤها بعدما حضر رئيس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح افتتاح دار الاوبرا العُمانية في مسقط، فعاد من هناك متحمسا لبناء دار الاوبرا الكويتية، فقيل له ان مخطط المشروع موجود ولكنه موضوع على الرفوف العالية مع المشاريع الحيوية الاخرى المركونة هناك، فجلب ونفض الغبار عنه، ثم كلف مجلس الوزراء بعد اختيار المكان المناسب وهو جزء من ساحة العلم المحاذي لقصر السلام على شارع الخليج العربي في منطقة الوطية والبلدية لاتمام اجراءات التخصيص والموافقات الاخرى، هذا الكلام من بضع سنوات، وحسب كتاب وزير البلدية السيد عبدالعزيز الابراهيم «ان الجهاز التنفيذي في البلدية رفع الى المجلس البلدي كتابا منذ يناير الماضي وفي انتظار موافقة المجلس البلدي على تخصيص المساحة المطلوبة»!!
وانا هنا اقول للسيد الوزير اذا كنت تنتظر من المجلس البلدي الموافقات فأبشر بالخير وهذا انا وهذا انت اذا وافق المجلس على مشروع دار الاوبرا، فيا اخي المجلس البلدي تسيطر عليه مجموعة من الرجعيين المتزمتين الذين لا يعترفون بالفن ولا بالثقافة ويرون ان الموسيقى والغناء كفرا فهل تصدق ان مثل هؤلاء سيوافقون، أو سيستجيبون لطلبكم أو طلب مجلس الوزراء ولو كانوا جادين لكانت الموافقات قد تمت منذ فترة طويلة، فإذا كان كتاب البلدية قد ارسل الى المجلس البلدي في يناير الماضي أي قبل تسعة اشهر والمسافة بين البلدية والمجلس البلدي مجرد «دعسة اسانسير»، يعني تطلع من مبنى البلدية وتدخل مبنى المجلس البلدي الملاصق له، فهل نصدق ان الاسباب لتأخر الكتاب أو لتأخر اجراءات اخرى؟! هؤلاء الاعضاء الذين يرفضون بناء الكنائس هم انفسهم يا مولاي الذين يرفضون بناء دار الاوبرا وبناء المسارح والمجمعات الثقافية التي بصدد انشائها في المحافظات، «ففاقد الشيء لا يعطيه» دعونا من البلدية والمجلس البلدي وموافقاته، ونسأل هل الحكومة من جانبها جادة وصادقة في بناء دار الاوبرا؟ أم انها تبحث عن عذر كي تتوارى من فشلها أو تقاعسها في بناء الدار؟!
وبصراحة انا لا اتصور ان الحكومة اكثر تنورا من اعضاء المجلس البلدي، فهذا الشيء من ذاك، فإذا كانت الحكومة جادة لكانت الدار الآن منصوبة كصرح شامخ تزدان واجهته بشارع الخليج، لكن الرجعية والتخلف والتزمت سمة غالبة على كل مفاصل الدولة، فإذا كنا نريد ان نلعن الظلام علينا ان نشعل شمعة اولا، علينا ان نسحب الستائر المظلمة وعلينا ان نفتح النوافذ ونشم الهواء النقي، علينا ان نفتح الابواب حتى تطرد الهواء الفاسد.. وعلينا ان نصدق ان بلدنا يعاني من الجو الملوث ومن الظلام الدامس، فالظلام ليس بالعيون التي ترى ولكن بالعقول التي انغلقت!! العقول التي اصيبت بالوسوسة، وان كل شيء حرام، ويخالف الدين، هكذا انتصروا وجعلوا الكويت التي كانت قبلة للثقافة والتنوير، طاردة الآن للثقافة ومناهضة للتنوير..!!
ان المسألة هنا لا تتعلق ببناء دار للاوبرا، فما قيمة وما اهمية دار الاوبرا اذا كانت الانشطة الفنية والثقافية محرمة أو مطاردة..؟!
ما قيمة دار للاوبرا اذا كانت الاوبرالية الكويتية اماني الحجي لا يسمح لها بالاداء الاوبرالي؟! ما قيمة دار الاوبرا اذا كانت الفرقة الاوركسترالية الكويتية التي تعب العميد السابق للمعهد العالي للفنون الموسيقية الدكتور سليمان الديكان على انشائها فتبخر كل مجهوده وصارت في خبر كان بعد ان حورب وعزل من منصبه ترضية واكراما لفلان وفلان؟!!
هل تريدون اكثر؟ هل يسمح بإقامة حفلات غنائية جماهيرية بعيدا عن عيون المتلصصين والمتزمتين ومحرضي الفتن والظلاميين واعداء التنوير والثقافة..؟!!
قبل ان تبنوا دارا للاوبرا ابنوا عقولا مستنيرة تحب الثقافة وتشجع الفن، وتحارب التزمت وتحترم فكر الآخر لا تبنوا دارا للاوبرا اذا لم تبنوا انسانا يعرف قيمة هذا الصرح الفني والثقافي اولا.. لا تبنوا دارا للاوبرا، حتى لا تكون سكنا آمنا للجرذان والعناكب والسعادين..!!
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق