سليمان الخضاري: القيمة الرمزية .. قصة لن يفهمها البعض

مشكلة كبيرة يعاني منها بعض المنتمين للفكر الديني في ما يخص التعامل مع بعض الأشياء ذات الأبعاد الرمزية، كقيمة العلم أو النشيد الوطني لدولة ما، واختزال ما يعنيه كل ذلك ضمن قراءة فقهية متشددة لا تستحضر قيم الحداثة وتطور المجتمعات التي عصفت بالعالم أجمع!
هي مشكلة فعلا، فعندما تسير عجلة التاريخ في اتجاه معين بينما يحاول البعض التشبث بكل ما هو قديم وغير متطور بذريعة الشريعة والحكم الفقهي الذي توقفت أدواته عن التطور منذ قرون، ولا يكتفي بذلك بل يحاول فرض هذه الآراء الماضوية على بقية مكونات المجتمع باعتبار الضرورات الشرعية في محاولة لارهاب الناس وجعلهم يتخلون عن كل ما هو ذو قيمة رمزية جميلة في حياتنا.
الرمزية والترميز، لعلم هؤلاء المتشددين، هي قيمة سامية تتعلق بإعلاء مجموعة مبادئ عظيمة، كحب الوطن وتقديره والاجتماع تحت لوائه رغم التباينات، والاستعداد للتضحية بالنفس من أجله، ولعل الموضوع يتجاوز قيمة الرمزية والترميز كمفهوم ايجابي إلى كونهما ضرورة انسانية ملحة، فكل المجتمعات تتوق لخلق رمزية معينة تجتمع حولها وتنصهر فيها الكثير من خلافاتها وصراعاتها، وتساهم في تشكيل رغبة للتوحد في القيم التي يتضمنها ذلك الرمز وغيره، وهو ما يسهم في خلق روح وطنية محبة للبلاد التي ينتمي لها المرء بغض النظر عن واقع تلك البلاد من الزاوية الاقتصادية أو السياسية أو غيرها.
المشكلة الأكبر، هي عندما يصبح تطويع النصوص والالتزام بها خاضعا للضرورات والمماحكات السياسية، فبعد أن أقام البعض الدنيا ولم يقعدها تعريضا بـ«خرجة»، ويقصد بها العلم الوطني لدولة الكويت، مستعينا بكل الفتاوى التي تؤيده وتصف العلم والنشيد الوطني بـ «البدعة»، تراه يقف احتراما وتقديرا لعلم دولة اخرى، كما حدث مع النائب الفاضل الذي أخذ يكيل المدائح لعلم الثورة السورية إبان دخوله مدينة إدلب المحاصرة، واصفا اليوم ذاك باليوم المبارك إثر رفع علم «التحرير» في تلك المدينة!
إثر هذا كله، فلا بد لنا من الاعتراف على أننا خلقنا جيلا من السياسيين يسير عكس اتجاه الزمن، جيلا يدفع بالمجتمع للوراء على كل مستوى ولا يساهم في غرس تلك القيم الرمزية الجميلة من مواطنة واحترام لكل ما يرمز لوحدة وطننا وأبنائه، وأسوأ من ذلك هو تناقضاتهم الكارثية التي لا يرى فيها مؤيدوهم أي حرج أو مشكلة!

Twitter: @alkhadhari
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.