سامي خليفة: الجبهة الوطنية .. فشلت

من خلال تقييمنا الأولي لاجتماع عشرات الشخصيات السياسية في جمعية المحامين الأحد الماضي، أحسب أن هناك «جبهة» قد تشكلت، وهناك صبغة «وطنية» قد أُلبست، وهناك أفكار جميلة قد طُرِحت، وهناك أسماء جديدة قد أضيفت. ولكن بالتأكيد هي ليست جبهة شعبية وطنية شاملة كما أرادها من أسسها، بل يمكن وصفها بأنها تمثل الوجه الآخر المنفتح وذات الصبغة «الانفتاحية» من مجموعة الأغلبية، مضافاً إليها بعض الأسماء التي تمثل نفسها لا أكثر ولا أقل، مما جعل البعض يذهب إلى كون تلك المبادرة هي نتيجة حتمية لحالة التردد والانقسام، وفقدان الشعبية التي بدأ يشعر بها دعاة التجمع في ساحة الإرادة.
ولست هنا ممن يسعى لهدم هذا المشروع رغم فقدانه للكثير من عوامل النجاح، بل المباركة له وذلك لسببين أساسيين هما، وجود شخصية أكن لها كل الاحترام والتقدير هي الزميل العزيز أحمد الديين الذي بالتأكيد يتمتع بكريزما مقبولة عند الكثير من أطياف المجتمع، وأيضاً لتبنيها خطاباً هادئا يميل إلى التوافق لا الصدام، وقد تكون هناك حاجة لطرح ذوق جديد من أسلوب المطالبة. ولكن كي نضع النقاط على الأحرف أجد أن هناك ثلاثة خطوات مهمة لو تداركها أصحاب المبادرة المؤسسين للجبهة الوطنية لكنا أطلقنا عليها صفة «مبادرة وطنية» ناجحة وبامتياز:
الخطوة الأولى كان ينبغي أن يعمل المبادرون على طبخ تلك الأفكار مع الجميع قبل الإعلان عنها في ديوان النائب المعارض علي الدقباسي، وبعيداً عن كتلة الأغلبية النيابية أو تجمع نهج أو غيرهما من أطياف المعارضة اليوم، كون تلك القوى لم تعد تتمتع بمقومات ذاتية تؤهلها لتبني عمل وسطي جامع يمكن أن يحتضن الجميع، ولم يخفَ على أحد المنهج السلبي الذي اتخذه هؤلاء أثناء حراكهم السياسي من لغة متعسفة وأسلوب إلغائي وإقصائي لبعض شرائح المجتمع، وفجور في الخصومة واستخدام كلمات هابطة وبذيئة لا تمت إلى عاداتنا وتقاليدنا وديننا بأية صلة. لذا كان ينبغي طبخ آلية تأسيس هكذا جبهة بعيداً عن جلسات وحوارات وأجندات هذه الكتل المعارضة، كي لا يتم قتل المولود وهو في رحم أمه.
الخطوة الثانية، لم يكن من الحكمة والإنصاف أن تشمل الدعوة للاجتماع التأسيسي أسماء موصومة بالشبهات وعلامات الاستفهام عند شرائح واسعة من المجتمع كوليد الطبطبائي وخالد السلطان وغيرهما، ممن مارسوا دوراً سلبيا في تمزيق المجتمع وتقسيمه وضرب السلم الأهلي، ومن الطبيعي أن يكون وجود هؤلاء سببا مهما لمقاطعة الكثير من الشخصيات والتيارات الوطنية في البلاد هذه الجبهة الجديدة، وكان ينبغي وضع معايير لاختيار الأسماء في البداية على الأقل. ولم أكن أتوقع لشخصية مخضرمة مثل أحمد الديين أن تفوته تلك الخطوة، وهو الصوت الوحيد الذي استنكر الخطاب الطائفي والفئوي في ساحة الإرادة مؤخراً.
الخطوة الثالثة في اللغة الدعائية والأسلوب التسويقي الذي طرحت به الجبهة، والذي أشتم منه رائحة سعي نواب كتلة الأغلبية ومعهم «نهج» إلى تسييسها، بهدف تسجيل نقطة لصالحهم في مقابل صراعهم مع الحكومة والنظام، وتلك مفردة واضحة المعالم، ولم تعد تخفى على أحد، بل يمكن القول إن مبادرة قيمية وطنية يراد أن تكون مظلة لكل أطياف المجتمع الكويتي، لا يقبل لها أن تستفيد منها المعارضة اليوم عبر إغراقها في وحل التكتيكات السياسية، مما جعلها مادة دسمة للإعلام كي يقتلها في مهدها.
من هنا أجد أن الخطوات الثلاث القاتلة للمشروع، التي بدأ بها مؤسسو الجبهة الوطنية لحماية المكتسبات الدستورية، كفيلة بنزع صفات كـ «الوطنية» و»الشعبية» و»الشاملة» و»المنفتحة» من تلك الجبهة، ومادامت تلك الجبهة قد فقدت تلك الصفات فلا يمكن إلا أن ننعتها بالفشل، مع حرصنا الشديد على تشجيع المخلصين من المبادرين فيها من جانب، وتحريضهم على تفادي الأخطاء الكبيرة التي وقعوا فيها من الجانب الآخر، علّ وعسى أن تستطيع استعادة تلك الصفات المهمة من جديد.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.