النيباري: التصنيف الاجتماعي يقودنا إلى «لبننة» الكويت

ملاحظاتي على بعض أعضا‍ء الجبهة

1 – نبرة إقصائية
2 – إثارة للطائفية
3 – محاربة الحريات
4 – قصر الرؤية السياسية

الشغل الشاغل للناس هو موضوع قانون الانتخابات وهو محور الصراع الآن في الساحة.

وقبل أن أدخل في مناقشة قانون الانتخابات أود أن أوضح موقفي تجاه الدعوة للمشاركة في الجبهة الوطنية… في لقاء مع الاخ أحمد الديين دعاني فيه للمشاركة في إقامة الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور، وبعد نقاش شرح فيه رؤيته السياسية، وعلى الأخص خلق توازن في تكوين الجبهة يحد من سيطرة أي طرف أو مكون، أبديت له اعتذاري وتحفظي، وكان الأمر صعبا ومحرجا بالنسبة لي ان أعتذر وأنا طوال مشاركتي في الحياة السياسية من طلاب العمل الجبهوي والداعين إليه، وهو أيضا موقف التيار الذي انتمي إليه، وهو ما التزمنا به طيلة ممارساتنا السياسية، ومن يُرِد المزيد ليتأكد ليقرأ مذكرات الدكتور أحمد الخطيب.

لهذه الأسباب

وتحفظي واعتذاري عن المشاركة في الجبهة، وهو موقف شاركني فيه العديد من الأصدقاء الذين تمت دعوتهم، ينطلق من تقييم خطاب كتلة الأغلبية في مجلس 2012 حسب المصطلح الدارج، وملاحظاتي عليه كالتالي:

1 – اتسام خطاب العديد من أعضاء الكتلة بالتعالي وبالنبرة الاقصائية، من معنا فهو الوطني المخلص، ومن خالفنا فهو مع السلطة وقوى الفساد.

2 – تصاعد النبرة الطائفية والعنصرية في خطابهم، وهو ما أدى إلى إثارة المخاوف لدى شرائح واسعة ومهمة من شعبنا، وعلى الأخص أبناء الطائفة الشيعية، واعتبار الليبراليين اتباع التجار الفاسدين، وأحيانا يشمل هذا التصنيف جميع من يسمى بالحضر، فيما عدا من يؤيدهم أو يجاريهم، وهذا أمر خطر يحفر ويعمق انقساما لم يحدث في مجتمعنا الصغير من قبل، وما لم يتم تداركه فسيؤدي إلى تمزيق نسيج المجتمع وربما تفجير صراعات سنعاني منها لآماد طويلة وأمامنا شواهد معاناة المجتمع اللبناني والعراقي.

يحدث ذلك في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للوحدة الوطنية أو شيء من التوافق على الأقل أو تجنب الصراع في أقل القليل.

الحريات

3 – مواقف الكثيرين في الكتلة من قضية الحريات الفردية والعامة، وهو ما يتناقض مع الدعوة للحفاظ والدفاع عن الدستور، بل هو تعد خطر على أهم ما تضمنه الدستور من حقوق. يجري ذلك من دون الاتعاظ مما تعانيه البلاد العربية مثل لبنان والعراق والاردن، بل وحتى مصر في إثارة هذه النعرات والصراعات تحت رداء الدين، والدين منها براء، كالمطالبة بهدم الكنائس أو عدم السماح ببنائها، وكأنه لم يكن كافيا ما تثيره مشاكل صعوبة التراخيص لمساجد أبناء الطائفة الشيعية، وكل ذلك يخالف تقاليد أهل الكويت السمحة ومبادئ الاسلام في احترام الأديان.

الرؤية السياسية

-4 قصور الرؤية السياسة لمستقبل بلدنا الكويت، فقد شاب ممارسة الكتلة في الأشهر الماضية توجههم لمواضيع مثيرة للخلاف والجدل، كتعديل المادة الثانية في الدستور والمادة 79 ومسألة تغليظ العقوبة، وتقديمهم مشاريع قوانين ليس لها صفة الاستعجال تشوبها عيوب كثيرة لدرجة عدم القابلية للتطبيق من دون اعتبار لآراء الكثير من المختصين، وأهملوا قضايا على جانب كبير من الأهمية ولها صفة الاستعجال، ومنها قوانين إنشاء هيئة مكافحة الفساد وكشف الذمة، وقانون تعديل نظام الانتخابات، وقانون الهيئة المستقلة للاشراف على الانتخابات، وكلها لها ضرورة ملحة ومستعجلة، ولو فعلوا ذلك لحققوا انجازات للبلد ولتجنبنا الصراع والمحنة التي نواجهها الآن في مأزق قانون الانتخابات.

لا انسجام

هذا الاداء الذي يشوبه القصور في الرؤية نتيجة عدم الاتفاق والانسجام بين أعضاء الكتلة الذي يصل حد التناقض، وهو ما أفصح عنه بعض أعضائها.

لا احد يختلف على ما جاء في الورقة التي أعدها واطلعني عليها الأخ أحمد الديين، وما احتوته يتفق عليه معظم الكويتيين المحبين لوطنهم.

ولكن ممارسة عدد من أعضاء الكتلة لا تعزز الثقة بمصداقيتهم في الالتزام بالعمل لتنفيذ البرنامج الذي تضمنته الوثيقة، بل ان ممارساتهم الفعلية وأحيانا مواقفهم المعلنة تناقض ما جاء فيها.

لهذه الأسباب تحفظت واعتذرت عن قبول المشاركة في الجبهة، ويشاركني في ذلك عدد من الاصدقاء المدعوين والذين تشاورت معهم في ذلك، وأود ان أنقل لكتلة الأغلبية ان الانطباع السائد عنهم لدى الكثير من المواطنين أن همهم الاساسي هو مصالحهم الانتخابية وإعادة إنتاج أنفسهم.

تكلفة سياسية

ومع ذلك، اتمنى للجبهة النجاح وان يكون تقديري خاطئا، فأنا ضد انفراد السلطة بإصدار قانون انتخابات بمرسوم، وسبق ان كتبت وأعلنت عن عدم تأييدي لتقديم الحكومة الطعن في قانون الخمس دوائر إلى المحكمة الدستورية، مع عدم إنكاري حقها في ذلك وأبديت رأيي في تفضيل إجراء انتخابات على أساس القانون الحالي، على ان يقوم المجلس القادم بتعديل القانون، واضيف بأنني أرى أن التكلفة السياسية لهذا المسار أقل من اللجوء إلى المحكمة الدستورية وما قد يترتب عليه، ولست مقتنعا بادعاء الحكومة بان القصد هو تحصين القانون وتفادي أي اضطرابات قد تتعرض لها نتائج الانتخابات.

قانون الانتخابات

نحن الآن مقدمون على مرحلة جديدة من مراحل التأزم الكويتي، وسيكون محورها قانون الانتخابات. وقانون الانتخابات أمر على جانب كبير من الأهمية، فهو الآلية التي بموجبها يتم اختيار أعضاء مجلس الأمة الذين يتولون السلطة التشريعية، بل وهم الذين يؤثرون إن لم يكن يختصون مستقبلاً في اختيار السلطة التنفيذية، وهم السلطة التي تتولى محاسبة السلطة التنفيذية ومراقبتها.

نتائج

أي أن نتائج الانتخابات ونوعية الأعضاء تحدد كيف سيدار البلد.. واختيار المواطنين لنوعية من يمثلهم في مجلس الأمة يحدد كيف ستدار شؤون حياتهم ومصير أبنائهم وأحفادهم، فإن أحسنوا الاختيار حققوا ضمانا لذلك، وان أساؤوا كما حصل في العديد من الانتخابات التي جرت في السابق فإنهم يفرطون في مصالحهم ومصالح وطنهم ويهدرون حقوق الأجيال القادمة.

وقانون الانتخابات إذا جاء مراعيا لأوضاع بلدنا وتركيبه الاجتماعي ومحققا للعدالة والمساواة يساعد في إنتاج سلطة تشريعية بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها.

حدة الأزمة

طبعا إذا جاء قرار المحكمة الدستورية بتثبيت القانون الحالي فذلك سيخفف من حدة الأزمة، أما إذا جاء بإبطال القانون فذلك سيفتح الباب لإصدار قانون انتخابات بمرسوم وهو أمر يثير الكثير من المخاوف بناء على سوابق تصرف السلطة ومواقفها وممارستها التي لا تدعو للاطمئنان ولا توفر الثقة.

وما إذا كانت الازمة التي نعيشها ستهدأ أم ستزداد حدة واشتعالا يعتمد على سلوك السلطة، فإن سلكت طريق الحكمة والتصرف الرشيد بالدعوة لمشاركة أطياف سياسية واجتماعية في اختيار نظام انتخابي يحظى برضاء شعبي فذلك سيمهد الطريق لانتزاع فتيل الأزمة والعودة لحياة سياسية هادئة.

أما اذا أصرت على الانفراد بالقرار وعدم الالتفات لآراء قوى المجتمع فذلك سينذر بتفاقم حالة التأزم لا أحد يعرف مدى اتساعها وحدتها، لكن الاحتمالات لا تبشر بخير.

مقترحات

فإن صح ما سربته الصحافة عن المقترحات التي تدرسها السلطة فهو مؤشر خطر، فآخر ما جاء في هذه التسريبات هو عبارة عن قص ولزق، قص بعض المناطق من دوائر معينة ولصقها بدوائر أخرى تحت ذريعة إيجاد التوازن العددي بين الدوائر.. ولكن المشروع الذي نشرته الصحف لو طبق سيكرس ويعمق الانقسامات الاجتماعية، بل سيفاقم غياب العدالة لا تحقيقها فعلى سبيل المثال المشروع بصيغته المسربة ان صحت يمزق الدائرة الثالثة شذر مذر للدرجة التي قد تؤدي إلى شطبها من الوجود، وهو ما يثير السؤال لماذا؟ وما هو القصد؟ وما وراء ذلك؟

دوائر أم دائرة واحدة

في تقديري حسب قراءتي للتوزيع الجغرافي للكتل السكانية وافرازات الانتخابات السابقة لا أرى إمكانية الوصول لتقسيم عادل للكويت إلى دوائر يحافظ على نزاهة الانتخابات ويحقق العدالة وينتج مجلس أمة بمستوى طموحنا للتطور الديموقراطي في الكويت، فالتركز الجغرافي للكثافة السكانية الفئوية لا يسمح بذلك.

وفي نظري لا بديل عن جعل الكويت دائرة واحدة والانتخاب النسبي لقوائم الذي تحظى فيه كل قائمة بنسبة من مقاعد مجلس الأمة تعادل ما تحظى به من نسبة أصوات الناخبين.

الانتخاب الفردي

قال النيباري: يثير البعض العودة الىنظام العشر دوائر اعتقادا منه بأن النتائج ستكون جيدة كما كانت في بداية الحياة البرلمانية إبان تطبيق هذا النظام، وهذا موقف عاطفي مشدود للنوستالجيا أي الحنين إلى الماضي، لكنه أمر غير ممكن فالمناطق السكنية وعدد السكان زاد بحوالي ثلاث مرات عما كان عليه قبل ثلاثين سنة، فضلاً عن أن الوصول إلى توزيع عادل على أساس عشر دوائر تكتنفه صعوبات جمة وقد درس في عام 2005 ولم يتم التوصل إلى تقسيم معقول.

التصويت الفردي.. مشروع كارثي

آخر المقترحات هو الدوائر الفردية كما قد يفهم من اقتراح الأخ جاسم بودي في «الراي» دائرة واحدة بصوت واحد أي كل ناخب يختار مرشحاً واحداً من أي دائرة أو منطقة في الكويت.

تقديري بأن التصويت الفردي أي لمرشح واحد سواء في دائرة واحدة أو في دوائر متعددة خمس أو عشر أو خمس وعشرين هو مشروع كارثي سيقتل أو يغتال أي مستقبل لتطور الديموقراطية في الكويت وذلك لأنه يفتح باب شراء الأصوات نقدا أو بمقابل منافع متعددة الأنواع والأساليب.

هو كارثة لأنه سيؤدي إلى طرح عضوية مجلس الأمة في بورصة الأصوات الانتخابية، وسيكون الفوز لمن يدفع أكثر، وقد لا تكون التكلفة كبيرة لأن كثرة المرشحين ستؤدي إلى توزع الأصوات وتخفيض نصاب الأصوات المطلوبة للنجاح، مع التأكيد بأن الاستعداد لضخ الملايين من أموال رسمية أو خاصة لشراء الأصوات لا يحده سقف فكل ذلك سيعوض عن طريق النواب الذين سيدارون بالريموت كونترول.

وتجاربنا في مسألة شراء الأصوات غير خافية على ذوي الألباب، ولا أعتقد انهم لا يدركون مدى الاستعداد للدفع ومع الأسف الشديد للقبض، فثقافة الفساد لا تغيب الا عن أنظار من يستغفلون الناس.

وللتذكير فإن طرح مشروع «نبيها خمس» في عام 2005 الذي حظي بتأييد واسع كان غرضه الأساسي محاربة شراء الأصوات والحد من أثر الواسطات والخدمات. وقد نجح نظام الخمس دوائر في الحد نسبيا من شراء الاصوات دونما ادعاء بالقضاء عليه نهائيا فذلك يحتاج إلى اجراءات قانونية. إنما العودة إلى التصويت الفردي في دائرة واحدة أو دوائر متعددة سيؤدي إلى اغتيال طموح الشعب الكويتي في تطوير ديموقراطي وحكم برلماني.

عبدالله النيباري
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.