عواطف العلوي: منزعج؟! يا ضناي

بعد الصلاة على خير الأنام، بلغَنا يا سادة يا كرام، أن مجلس الوزراء الكويتي «منزعج» من تدني مستوى القراءة عند الطلبة بمن فيهم طلاب المرحلة الثانوية، وأصدر توجيهاته العاجلة بمعالجة سلبيات تلك الظاهرة!
أتمنى ألا يكون أحد قد أزعج المجلس بهذه المعلومة «المفاجئة» وأقلق منامه بها، فلا مشكلة في البلد تستحق أن نتعب من أجلها خلايا أمخاخ أحبابنا الوزراء ورئيسهم المبجل، مهما بلغت وتفاقمت وضربت بعروقها الأرض! فماذا يعني أن يكون مستوى الشعب في القراءة والكتابة متدنيا منذ عقود، والدكتور فيهم لا يميز بين الضاد والظاء، والمهندس يربط التاء المفتوحة ويفتح التاء المربوطة، والجامعي لا يدري كيف يفرق بين الاسم والفعل، ورئيس تحرير أقدم جريدة في البلد يتجرأ فيكتب بنفسه في موقع «تويتر»، فيفضح ما كان مدققه اللغوي يعمل جاهدا للستر عليه سنوات وسنوات..!
ما علينا! لنحسن الظن كما تحب حكومتنا دائما أن نفعل، ولنصدق أنها «منزعجة» فعلاً وتريد حلولاً عاجلة لمشكلة تدني مستوى القراءة والكتابة، ليس لدى الطلبة فقط، بل لدى الشعب عامة بجميع شرائحه.
وسأطرح هنا رؤيتي حول هذا الشأن، مستندة على مشاهداتي وتجاربي الشخصية واطلاعي على دراسات متفرقة للمهتمين بتحليل المشكلة وسبل علاجها، لعلها تصل إلى المسؤولين وإلى كل من «انزعج» انزعاجا حقيقيًا مخلصًا بسبب هذه الظاهرة.
فالعامل الأساسي برأيي لاستمرار تدني مستوى القراءة والكتابة، هو عدم وجود ذلك الارتباط القوي بين تعليم اللغة العربية والمواد الأخرى في مدارسنا، فكل معلم لا يهمه إلا إنهاء المقرر من المنهج في مادته دون الالتفات إلى موضوع القراءة والكتابة، اعتقادًا منهم أنه ليس من شأنهم ولا اختصاصهم، لأن الاعتبار الأول في نظرهم هو عدم تضييع الوقت المحدد للحصة، ما يذر معلم اللغة العربية منعزلاً في الساحة يتحمل عبء المسؤولية وحده، ويشكل حاجزا بين اللغة وسائر العلوم والمعارف فتضعف ويضمحل أثرها! لذا يستوجب علاج المشكلة قرارات متعددة في باقة واحدة تعمل على تنسيق أسلوب التعليم بين معلمي المواد الدراسية كافة، بحيث تكون متابعة القراءة والكتابة والأخطاء الإملائية من صميم المنهج ومسؤولية كل معلم، بغض النظر عن المادة المنوط به تدريسها، سواء كانت اللغة العربية أم غيرها من المواد.. وهناك من البلدان العربية من فرضت تخصيص الدقائق العشر الأولى لإملاء جملتين على الأقل على الطلبة لرصد مواضع الضعف في الكتابة بدءًا من الابتدائية وتدريجا حتى الثانوية.
وحيث إن المشكلة تبدأ جذورها من المرحلة الابتدائية، فإني أقترح إعادة النظر في سياسة النجاح التلقائي لجميع طلبة الابتدائية الذي تسبب في انتقالهم إلى المراحل الأعلى وهم يفتقدون أهم مهارتين أساسيتين، القراءة والكتابة..!
ويبقى أن أؤكد أهمية تنظيم مسابقات للقراءة على مستوى الدولة وبرعايتها وبدعم إعلامي جاذب مكثَّف، وترصد لها جوائز مغرية، حتى نحقق الهدف المنشود، وهو أن تكون القراءة سلوكًا عامًا في المجتمع..!
انتهى! مجلس الوزراء.. أعتذر عن إزعاجكم!

mundahisha@gmail.com
Twitter @mundahisha
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.