خالد الجنفاوي: رفض التطور الاجتماعي: أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات 13).
أعتقد أن اسوأ الأزمات الاجتماعية والتي تصاحب التطور الديمقراطي في بعض المجتمعات الشرق أوسطية تكمن في بروز ظاهرة رفض المرونة الاجتماعية وكذلك رفض قبول التطور الاجتماعي الطبيعي. وهذا الرفض للمرونة الاجتماعية وما تعنيه من تطور وربما تغيرات حتمية في فرضيات وتطلعات عضو المجتمع المعاصر ليس بالضرورة أن تنتج عنها عنصرية عرقية أو تعنت طبقي أو مذهبي أو ثقافي بين بعض أعضاء المجتمع. ولكن بسبب ما يبدو عدم قدرة البعض القليل من أعضاء المجتمع في قبول التغيرات الاجتماعية الطبيعية, ينتج عن ذلك قلق نفسي مصطنع وربما إسترجاع سلبي لأيقونات تفكير ماضوية لا تتوافق مع ما يجري حالياً في عالمنا المعاصر.
فمحاولة إيقاف عجلة التطور الإنساني والتطور الاجتماعي الطبيعي لن تجدي نفعاً وفق مقاييس ومعايير والتوقعات البديهية لتطور المجتمعات الانسانية. وما سيساهم في تكريس مرونة إجتماعية إيجابية وقبول سلمي لما تنتجه التطورات الاجتماعية المختلفة هو إتفاق أغلبية أعضاء المجتمع حول المواطنة الحقة. فعندما تصبح المواطنة الحقة والمعاصرة والسلوكيات المدنية والديمقراطية معايير يُحكم من خلالها على سلوكيات الفرد ومدى مساهمته في إثراء التجارب الانسانية المتنوعة في مجتمعه- نقول حين يصل أعضاء المجتمع الوطني إلى تسوية أخوية وتوافق متبادل وبناء فيما بينهم حول ماهية ومتطلبات وسلوكيات والتصرفات المدنية المتوقعة للمواطن الحق, فستختفي تدريجياً الأزمات الإجتماعية المتكررة وبخاصة تلك التي يحاول فيها بعض الأفراد إقصاء أعضاء المجتمع الآخرين بسبب إختلافهم وتنوعهم النفسي والإنساني.
يقول المولى عز وجل: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات 13). وعندما نُسقط متطلبات “التقوى” في سياق الآية الكريمة على متطلبات “المواطنة الحقة” في مجتمع مدني وديمقراطي معاصر تبرز “المواطنة الصالحة” كمعيار أصيل يفرق بين المساهمات الإيجابية والسلبية في بنية النسيج الاجتماعي الوطني. فمن يتقي الله عز وجل في وطنه وفي أبناء وطنه هو الأكرم والأكثر إيجابية وربما الأكثر استحقاقاً في عيش حياة إنسانية بناءة ومثالية. والله أعلم.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.