مع حسن الظن بما طرحته كتلة المعارضة المتمركزة في ساحة الإرادة منذ قرارها البقاء هناك لحين معرفة حكم المحكمة الدستورية فيما يتعلق بدستورية قانون الانتخابات الحالي، ومع إصرار كتلة المعارضة على جعل تلك الساحة مشغولة بحركة دخول وخروج الناس إلى ذاك الوقت، نقول لا يمكن أن تكون تلك الفترة مناسبة لطرح أي اقتراحات شعبية يراد للجميع أن يشارك فيها، من خلال تواجده في موقع يعرف الجميع أن هدفه الأول والأخير هو أن يكون بمثابة الحاضنة التي تجمع الناس للضغط على الحكومة من أجل سحب إحالة قانون الانتخاب من القضاء.
بمعنى آخر، من يدرك حقيقة التجاذبات السياسية بين المعارضة والموالاة من جانب، وبين المعارضة والحكومة من جانب آخر، لا يمكن أن ينظر لأي أفكار مفيدة أو مقترحات شعبية تطرح في ساحة الإرادة اليوم، إلا كونها تأتي من باب التكتيكات السياسية التي من شأنها خدمة أصل التواجد هناك، خاصة بعد أن فشلت المعارضة في جمع أعداد من المؤيدين ذوي الثقل العددي الكبير – أو حتى النوعي – وسط مقاطعة رموز قوى سياسية وشخصيات سياسية مستقلة تقاطعت معها في فترة عمل المجلس المبطل قبل أشهر.
وكي تتضح الصورة أكثر، فإن اقتراح عقد لقاءات مفتوحة مع شخصيات سياسية محايدة نوعا ما، ومناقشتها في الساحة بطابع الحوار والاستماع إلى وجهات النظر لا يمكن إلا أن يكون أهم أهدافه هو تكثير السواد في ساحة الإرادة، واستثمار تلك الفعاليات لصالح المشروع الذي اجتمعت عليه المعارضة اليوم، كما لا يمكن النظر إلى إعلان تبنّي ميثاق شرف لدعم إقرار قانون تجريم الكراهية في المجتمع إلا كونه رافدا آخر يراد منه تكثير السواد في ساحة الإرادة، وخاصة أن المطلوب من الناس الذهاب إلى هناك إذا ما أرادوا التوقيع على تلك الوثيقة.
من هنا أجد أن تلك الاقتراحات والأفكار بالتأكيد لن تكون مظلة مريحة يمكن أن يستظل بها كافة أطياف المجتمع رغم أهميتها، وذلك لأنها اتخذت من ساحة الإرادة موقعاً لها، بل أحسب أن كتلة المعارضة اليوم أصبحت في وضع لا تملك مقوّمة تبني مشروعا وطنيا لإنجاحه، بل يمكن القول إن البعد الإعلاني الدعائي التسويقي بات هو الغالب على مثل تلك الأفكار والاقتراحات الشعبية.
ولتقريب الصورة أكثر، نقول إن كان رموز كتلة الأغلبية جادين حقاً في تفعيل قانون تجريم الكراهية وحماية وصون المجتمع من آثاره السلبية، فلماذا صمتوا صمت القبور عن خطاب الإفك الذي استفرغه النائب مبارك الوعلان في ساحة الإرادة، الذي تعمّد تمزيق المجتمع ضارباً الوحدة الوطنية بين أبنائه عرض الحائط! ولماذا سكتوا سكوت «الطرمان» حين صرّح النائبان وليد الطبطبائي وخالد السلطان من هناك أيضاً بكلمات بذيئة يعف عن ذكرها اللسان مستهدفين تمزيق المجتمع والسلم الأهلي!
لذا لا يمكن لتلك المشاريع المطروحة في ساحة الإرادة إلا أن تفشل ما دام القول لا يسبقه مصداق فعل ينسجم وطبيعة المطلب والاقتراح، وكي لا نشكك في قناعاتهم بتلك الأفكار والاقتراحات كان لابد من أفعال واضحة من قبل رموز المعارضة تخرجها من ثوب التكتيكات الرخيصة التي عهدناها منذ بداية سخونة المناخ السياسي في البلاد، والانحراف الشديد في أدب الحوار ولغة التخاطب بين المتصدين لإصلاح الشأن العام.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق