من المهم أن يتم وضع رؤية تحليلية قانونية تلقي الضوء على صحيفة طعن الحكومة بعدم دستورية قانون الدوائر الانتخابية، وقد تضمنت الصحيفة أربعة موضوعات جديرة بالتحليل: الأول الاعتبارات التي ينطلق منها الطعن كونها هي أساسه القانوني. الثاني الأسباب الموضوعية لعدم دستورية النصين الطعينين والمبادئ والأحكام والنصوص الدستورية التي خالفاها. الثالث صفة الحكومة ومصلحتها بالطعن بقانون الدوائر الخمس رقم 42 لسنة 2006 واختصاص المحكمة بنظره. الرابع السوابق والأحكام التي أوردتها صحيفة الطعن ودلالاتها في بيان مطاعن عدم الدستورية في قانون الدوائر رقم 42 لسنة 2006.
وبين يدي تلك المحاورة الأساسية يمكن لي استقراء التوجهات التالية:
1 – قبول المحكمة للطعن شكلا لتوافر الصفة والمصلحة المؤكدة في هذا الطعن انسجاما من المحكمة مع أحكامها السابقة، وعلى وجه الخصوص الطعن بشأن قانون الإيجارات الذي فصلت به المحكمة في حكمها المشار إليه، وهذا سبب جوهري لاتصال موضوع الطعن بالدعوى المباشرة باختصاص المحكمة الأصيل، وهو ما جرى به قضاؤها بالأحكام السابقة المستقرة، ولا صحة لما يردده البعض أنه يشترط وجود منازعة في الدعوى الدستورية الأصلية والمباشرة، وذلك لسبب قانوني جوهري هو أنها ترتكز على مبدأ المخاصمة العينية للنص أو النصوص الطعينة، فلا محل للحديث بشأنها على ضرورة وجود منازعة بين طرفين، كما يتوهم البعض حتى من رجال القانون. وقد حسمت المحكمة هذا الأمر في حكمها رقم 27 لسنة 2007.
2 – انه تتوافر حتمية مطلقة للارتباط المباشر بين اعتبارات الطعن التي قوامها الاستناد إلى المبادئ الآتية:
أ – تحقيق سيادة الدستور .
ب- إرساء بنيان دولة القانون التي يستظل بظلالها أبناء الشعب كافة من دون تفرقة أو تمييز بحقوق متكافئة متناظرة نابعة من المواطنة الدستورية الصحيحة.
ج – أن السلطات العامة تعمل في أعطاف تلك المبادئ مجسدة لإرادة الأمة الحقة وتمثيلا لها على أساس مبدأ الفصل السليم بين السلطات مع تعاونها، وفقا لأحكام الدستور من دون تدخل أو تنازل ينال من سلطة لحساب سلطة أخرى.
د – أن مقاصد ذلك – كما تشير الحكومة- هو للبلوغ إلى نظام ديموقراطي يعبر تعبيرا صادقا عن إرادة الأمة ومكوناتها خاليا من النواقص.
هـ – وغاياته الوصول لنظام انتخابي شفاف وعادل تحفه مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والتمثيل الصحيح، ورائده وحدة الوطن وأبنائه بمواطنة دستورية متماثلة.
هذا ما ورد في الصحيفة وارتباطه بأسباب الطعن الواردة تفصيلا على المادتين 1 و2 الطعينتين، وهما ما يؤديان إلى معاونة المحكمة في تقريرها عدم دستورية النصين كاملين استنادا لكل ذلك – من دون أن يؤثر في اتجاهها الصحيح – إشارة الحكومة العابرة والمبهمة في عدم اعتراضها على تحديد أصوات الناخب وتركيز إشارتها تلك على قصره على أربعة، فتلك تجزئة فقدت أهميتها بالطعن لأنها تشكل نظرة ملائمة وليس منطلقا دستوريا، والأول لا يعني المحكمة بشيء لأنه خارج ولايتها، بينما الثاني هو صلب اختصاصها فتجزئة الحق أو الانتقاص منه هو ركيزة المحكمة في حكمها، بل إنها ستجد فيه أساسا مهما لحمل أسباب حكمها بما هو وارد من أسباب في صحيفة الحكومة ضمن الاعتبارات والأسباب معا، وتكاملها في بيان جوهر مقصود الحكومة الذي ستجد فيه المحكمة مدخلا يسعفها في الاستناد إليه لضمان سلامة حكمها بعدم الدستورية كما فعلت تماماً في حكمها رقم 1لسنة 2005 بشأن قانون التجمعات، وحكمها رقم 30 لسنة 2009 بشأن دستورية قانون الانتخابات الفرعية، ولا نظن أن المحكمة ستسلك مسلكا آخر لكونها محكمة مشروعية دستورية في الطعون بعدم الدستورية، ولذا لن تتجه لمنهجية الملاءمات وإعمال تجزئة الطعن بعدم الدستورية، في الوقت الذي لها حق التصدي للنصوص المرتبطة، كما قررت في حكميها السابقين، ومن باب أولى ستباشر ذلك حينما يكون ذلك متعلقا بفقرات في النص ذاته، وعليه فلا أتصور أن المحكمة يمكن أن تتجاوز المبادئ المستقرة بأحكامها بل وفي أحكام القضاء الدستوري المقارن.
3 – ان المخالفة التي تتسم بعدم دستورية النصين الطعينين تضمنت مخالفة صريحة وصارخة لمبادئ ونصوص دستورية، وهي ديباجة الدستور ونصوص مواد الدستور (7، 8، 29، 108) كما عكستها صحيفة الطعن على نحو دقيق يتماشى والأساس السليم لإهدار قيمة القانون المخالف ومن ثم القضاء بعدم دستوريته، وهو ما سطرته المحكمة بأحكامها السابقة أيضا. وعلى الأخص حكمها رقم 30 لسنة 2009 الذي قررت فيه أهمية أن حماية نسيج المجتمع ومنع تناحره ووجوب حماية النائب وتحريره من ضغط الفئة أو الطائفة حتى تكون المصلحة العامة هي العليا.
وخلاصة لكل ما سبق فإن قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون المطعون فيه بمادتيه هو قراءتنا للحكم المرتقب في 2012/9/25.
اللهم إني بلغت،
أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق