«ونحن أناسٌ لا توسطَ عندنا
لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر»
بيت شعر جميل لأبي فراس الحمداني يمجد الريادة وينبذ الوسطية، قد نستخدم هذا البيت لتشجيع الشباب على العمل الدؤوب والتميز من أجل تحقيق الصدارة، وقد تشكل هذه الكلمات شعار الإدارة الحديثة والنهج الطموح، وقد تفسر أيضا على أنها نبذ التذبذب وصلابة الموقف، ولكن مع الأسف واقعنا غير ذلك، فهنا الكويت بلاد العزة المفرطة، هنا بلاد من قلب البيت على عاتقه وقال:
«ليس الفتى من يقول هآنذا، إنما الفتى من قال كان أبي».
التعصب موجود في مجتمعنا العربي منذ آلاف السنين والتباهي بالعرق والطبقة الاجتماعية جزء لا يتجزأ من ماضينا، ولكن كما هي الحال في بقية الدول تنضج الشعوب مع تطور الدولة إلى المدنية ومن ثم الديمقراطية؛ لكي يتم تطبيق مبدأ الأمة مصدر السلطات.
ولكن السؤال هو من هي الأمة: هل الأمة تتضمن كل مواطن يتمتع بحقوق الجنسية الكويتية، أم هي فقط الأغلبية من الشعب، سواء كانت أغلبية عرقية أم مذهبية؟
هل الانتماء إلى الأمة ينطبق فقط على من أسس البلد من مجموعات عريقة تاريخياً، ومن أتوا بعدهم ليس لهم السيادة أو القرار؟ وهل الأمة هي الأغلبية المتفقة على فكر معين وغير مكترثة بأفكار ومعتقدات الأقليات؟
تساؤلات كثيرة وإجاباتها سهلة، ولكن كما نقول بلهجتنا العامية “الحجي ببلاش” فنحن نتشدق بالحديث عن التسامح في الساحات العامة ونمارس التعصب بين جدران بيوتنا، فتجدنا نصف أبناء شعبنا بأوصاف عنصرية ونحكم عليهم دون معرفة كافية، فإن اختلفنا حول فكرة ما أو مبدأ، تجدنا نسفّه ونتهكم عليهم لأن مقارنة الحجة بالحجة عسيرة لمن ليس لديه حجة.
وهنا أريد أن أوضح أن التمسك بالموقف ليس بالضرورة تعصباً ما دام المرء يحترم حق الآخر في الاختلاف، والاعتزاز بالأصل والقبيلة والأسرة ليس تعصباً ما دام هذا الاعتزاز لا يستهدف امتهان الكرامات ولا يلغي حتمية المساواة بين الناس، ولكن التعصب هو احتقار الآخر ليس لسبب سوى أنه “آخر”، وهو إقصاء أطراف من المجتمع بسبب الاختلاف عنهم والطعن فيهم دون وجه حق، وهو الوباء الذي ينخر في وجدان المجتمع ليجعله مريضاً واهناً غير قادر على التقدم والتطور.
بحمد الله وفضله، نحن -الكويتيين- لسنا من الشعوب التي تخجل من مواجهة واقعها وتدفن رأسها في التراب كما النعامة، فكلنا ندرك أننا نعاني وباء التعصب، وقد تمت مناقشة الموضوع على الأوساط السياسية والاجتماعية كافة وحتى الدينية، ولكن لم يعد النقاش كافياً، إذ شهدت هذه السنة الكثير من الاضطرابات الأمنية التي أشغلتنا بسبب التصريحات الإعلامية لبعض المتعصبين إما من خلال الخطابات الانتخابية السيئة وإما عبر المقابلات التلفزيونية التي تطاولت على بعض رموز الوطن، وإما بتغريدات “تالي الليل” الاستفزازية والمثيرة للفتن.
وأصبح الآن من الضروري أن نقف وقفة شعب متكاتف متحد ضد التعصب، وأن نترجم مطالباتنا على أرض الواقع عن طريق تثقيف بيوتنا وتهذيب ألفاظ من هم في محيطنا المباشر وتعويد الذات على عدم إلغاء الآخر مهما كان عمق الاختلاف، كما يجب على السلطات كافة الإسراع في وضع قانون يجرم خطاب الكراهية، فتهاوننا في محاربة التعصب ستدفع ثمنه الأجيال القادمة، ووطن النهار يستحق أن نهيئ شبابه ليكونوا مواطنين صالحين يتباهون بإنجازاتهم فوق الأرض وليس بعدد موتاهم المدفونين تحتها.
أنا أحلم بوطن يقيَّم فيه المواطن على ضوء أخلاقه وعطائه وولائه لا على ضوء انتمائه العرقي أو المذهبي، فدعونا نقف ضد التعصب لأن الكويت ليست لك وليست لي، الكويت لنا جميعاً.
نصيحة أخيرة:
أتقدم بأحر التعازي للولايات المتحدة الأميركية بوفاة سفيرها في ليبيا، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، كما أتقدم بأحر التعازي وأصدق المواساة إلى أمتي أمة الإسلام التي دفنت سمعتها الدولية بسبب الرعونة العارمة لبعض أبنائها إثر فيلم ساقط ما كان لأحد أن ينتبه إليه لولا العنف والتعصب، و”إنا لله وإنا اليه راجعون”.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق