يبدو أن إجماعا يتبلور في أوساط الشباب على أهمية إشهار التنظيمات السياسية من أجل تطوير الساحة السياسية المحلية وتحصينها من أجواء مغامرات هواة السياسة، ويبدو كذلك أن هذا الواقع فرضه الحراك الوطني بعدما أحس أولئك الشباب أن ترك الساحة كما هي الآن دون تنظيم ربما يؤدي إلى انتكاسات على صعيد المشروع الديمقراطي برمته.
التنظيمات السياسية أو الأحزاب أو الجماعات السياسية كما ورد في الدستور الكويتي هي جزء محوري في العملية الديمقراطية، ودونها لا يكتمل العقد الديمقراطي، ويمكن أن نجد عذرا للحكومة على عدم المبادرة بتقديم قانون ينظمها في الماضي، يستند إلى التقاعس الشعبي وعدم ارتياحه لإقرارها، لكن تجاهلها في الوقت الحالي لا يمكن أن نعذر أحدا عليه.
عندما أصر المشرع على إبراز دور الجماعات السياسية من خلال توجيه سمو أمير البلاد إلى مشاورة رؤساء الوزارات السابقين ورؤساء البرلمانات ورؤساء الجماعات السياسية في المادة الدستورية المتعلقة بتعيين رئيس الحكومة إنما يؤكد حقيقتين، وهما تداول السلطة على صعيد منصب رئيس الوزراء، وأهمية تنظيم الساحة السياسية وعدم تركها نهبا للأمزجة والتدخلات المحلية والخارجية.
الجماعات السياسية تنقل الصراع الديمقراطي من مجلس الأمة إلى داخلها وتختصر على البرلمان وقتا كثيرا يضيع في الجدل على المشاريع والمقترحات التي تدرج على جدول أعمال مجلس الأمة، وبالتالي يمكن تخفيف ما يجري حاليا على الساحة والاستفادة من الحماس الشبابي في مشاريع تطوعية أخرى نحن بأمس الحاجة لأن يلتفت الشباب لها، بدلا من الانخراط في مشاريع جدلية لا طائل من ورائها.
كما أن وجود مثل تلك التنظيمات يوفر الخبرة اللازمة لمن يريد الدخول في العمل العام، وبدلا من أن تضيع سنوات طويلة على النواب الأقل خبرة في العمل السياسي والبرلماني من أجل التعلم يمكن اختصار كل ذلك بتحول مثل تلك التنظيمات إلى مدارس فكرية وتطوعية يصقل فيها الشباب قدراتهم ويستفيد منها المجتمع بشكل عام.
بقي أن نمتثل الآن، مادام هناك إجماع يتبلور، وضغط شعبي جارف نحو تطوير الحياة السياسية، بعد مضي أكثر من نصف قرن على التجربة الديمقراطية الكويتية، لهذه الحتمية، وأن نشرع جديا في طرح قانون لتنظيم وإشهار الجماعات السياسية، ويفترض أن يكون هذا القانون بمبادرة من الحكومة حتى تظهر حسن نيتها في التعاطي مع المشروع الديمقراطي، ولكي تتجاوز سنوات طويلة من التجاهل.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق