بإصدار المحكمة الدستورية حكمها برفض طعن الحكومة على قانون الانتخاب يوم الأول من أمس، أصبحنا أمام واقع جديد عنوانه مجهول ومستقبله غامض.
فرحة الأغلبية المُبطلة بحكم المحكمة الدستورية تعني أن أعضاءها وبالتبعية مناصريهم لم يقرأوا الحكم بشكل صحيح أو أنهم قرأوه لكنهم لم يستوعبوا الوضع الذي هم فيه، فاعتبارهم أن الحكم الأخير انتصار لتحركاتهم هو بالواقع ينم عن سطحية تفكير وقصر نظر، لأن الحكم قيّد صلاحيات نواب مجلس الأمة، وقلّم أظافرهم، ونسف عمود كتلة الأغلبية ومطالباتها التي رفعتها تحت شعار “الأمة مصدر السلطات جميعا”، لأن الحكم يعني بكل بساطة أنهم ليسوا هم الأمة كما يعتقدون.
بداية، الحكم رسخ قاعدتين دستوريتين بتاريخ الكويت بموجب معطيات المحكمة التي أوردتها في مضامين قرارها، أولها تأكيدها أن المحكمة الدستورية دورها لا يقتصر على مجرد “التحقق من مدى موافقة التشريع المطعون عليه لأحكام الدستور” بل يصل إلى الاعتراف بأن ممارستها لمهامها هو بواقعه عمل سياسي، وهو ما يشكل رداً مباشراً على من يتهم المحكمة بأن قراراتها سياسية بالتأكيد على أن أعمال المحكمة الدستورية هي بالفعل أعمال ذات طابع سياسي، لأن عدا ذلك بموجب الحكم “يفرغ رقابة الدستورية من مضمونها، بل يجردها من كل معنى ويفضي إلى عدم خضوع أي عمل تشريعي لرقابة الدستورية، وهو أمر لا يستقيم- في فهم القانون- القول به”، كما جاء في الحكم.
أما القاعدة الثانية، فتنفي وجود شيء اسمه تفرد النواب بالقرار، فلا يوجد شيء اسمه أن السلطة التشريعية هي صاحبة السيادة في الدولة، فالدستور “رسم لكل سلطة من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية حدود اختصاصها ووظائفها وصلاحياتها، لم يجعل أي سلطة منها تعلو على الأخرى، فجميع هذه السلطات خاضعة للدستور، ولا يجوز لها بالتالي الخروج عن أحكامه، ولا صحة في القول بأن التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية محصنة وراء تعبيرها عن إرادة الأمة، ولا هي صاحبة السيادة في الدولة”، وهذا يعني أن المحكمة الدستورية نفت وجود شيء اسمه أن “الأمة” يقتصر تمثيلها بنواب مجلس الأمة وهو المفهوم الذي تحاول الأغلبية المُبطلة إيهام الرأي العام به، لأن مفهوم “السيادة للأمة مصدر السلطات جميعاً” الوارد بالمادة السادسة من الدستور هو بواقعه لا ينحصر فقط في مجلس الأمة، وأن النواب “وحدهم” لا يمثلون الأمة وليسوا “وحدهم” أصحاب السيادة لا بشكل منفرد ولا بشكل جماعي عبر مجلس الأمة، لأن مفهوم “السيادة للأمة مصدر السلطات جميعاً” تعني أن سيادة الأمة تشترك فيها بموجب الدستور السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية.
واستكمالا لذلك، حدد حكم المحكمة الدستورية تعريف المادة (108) من الدستور بأن “عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها”، وبيّن معناه بأن “يكون عضو المجلس مستقلا كل الاستقلال عن ناخبيه، وليس أسيراً لمؤيديه من أبناء دائرته، تابعاً لهم يرعى مصالحهم الخاصة البحتة، وإنما يرعى المصلحة العامة، دون تجاوز هذا المعنى”، ولهذا فإن مبدأ تمثيل الأمة هو بواقعه تلاعب بالكلمات ومشاعر الجمهور لأنه غير صحيح دستورياً، لأنهم لم يعودوا يمثلون الأمة كما يدعون بل أصبحوا بعد الحكم يمثلون 33 في المئة من الأمة.
اليوم، يحتم على النواب المهللين لحكم المحكمة الدستورية الأخير أن يعوا حقيقة حجمهم الطبيعي بالأمة، ويقوموا بواجبهم الدستوري وينفذوا حكم المحكمة الدستورية قبل الأخير القاضي باستعادة مجلس 2009 كامل سلطاته بقوة الدستور، لأن من ينتصر لحكم دستوري ملزم بتنفيذ ما سبقه من أحكام دستورية، والاعتذار للشعب الكويتي عن حملة التدليس والتضليل التي قاموا بها ورد اعتبار السلطة القضائية التي شوهوا سمعتها على مدى الاشهر الثلاثة الماضية.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق