حتى الآن لا يريدون استيعاب حقيقة أن مشروع الإصلاح السياسي لا يمكن أن يتجسد على أرض الواقع دون أن يكون هناك إجماع وطني حوله، ومادام ذلك المشروع لم يتحول إلى مطلب شعبي فإن المراوحة هي مصيره الوحيد حتى يتحقق مثل ذلك الشرط، ولو راجعنا الساحة بتمعن فسنجد أن الخلافات حول مضامين ذلك المشروع كثيرة.
مشروع الإصلاح السياسي يتضمن عددا من النقاط الرئيسية وأخرى ثانوية أبرزها تحرير منصب رئيس الوزراء وعدم احتكاره من أي طرف كان، بل تركه للمزاج الشعبي، وصناديق الاقتراع تحدد شخصية من يشغله، ثم إشهار الأحزاب أو التنظيمات السياسية على أساس وطني، وإصلاح القانون الانتخابي وعدم تركه دون معالجة للثغرات التي يحتويها.
كما يتضمن مشروع الإصلاح السياسي فصل القضاء فصلا كاملا، ووضع آلية تكفل استمرار استقلالية القضاء، وضمان عدم التدخل الحكومي في أحكامه، ووضع آليات لشغل المناصب الرئيسية في الدولة وفقا لمعايير شفافة بعيدا عن التدخل والمحاصصة، واعتماد مبدأ الكفاءة حتى يمكن تطوير المؤسسات الحكومية بما يتناسب مع الحاجة لها.
الحكومة وهي طرف رئيسي في اللعبة السياسية ترفض مشروع الإصلاح السياسي، وتريد بقاء الأوضاع كما هي حاليا حتى تستفيد من الثغرات الموجودة في تعزيز نفوذها على الساحة السياسية، والمجتمع بانقساماته السياسية والاجتماعية ليس في وارد القبول بكل مكونات مشروع الإصلاح السياسي، فهناك من يرفض شعبية الحكومة، وهناك من يرفض التنظيمات السياسية.
إذا أردنا أن يتحول مشروع الإصلاح السياسي إلى مطلب شعبي فلابد من فهم التخوفات التي تعيشها شريحة من الشارع الكويتي، من قضية أن يكون هناك طرف آخر غير الأسرة الحاكمة يشغل منصب رئيس الحكومة والإقرار بوجودها، لأن تجاوزها يعني التخلص من جزء كبير من العقبات التي يعانيها ذلك المشروع، كما أننا مدعوون إلى إقناع أغلبية المواطنين بأهمية أن يكون هناك تنظيم للساحة السياسية من خلال مؤسسات سياسية بدلا من
حالة الفوضى السائدة.
تفهم الشارع لهذا المطلب وتبنيه سيخفف عبئا كبيرا على القوى السياسية، ويعطيها مرونة أكبر في التحرك على هذا الصعيد، والعكس سيعطل هذا المشروع فترة طويلة، أما طرحه بالصيغة التي شهدتها ساحة الإرادة فستجعل شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي تنفر منه وتتخوف على مستقبل أبنائها، إذا كان التعاطي بمثل تلك القضايا المصيرية بمثل تلك الخفة السياسية.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق