محمد المقاطع: قراءة أولية في حكم المحكمة الدستورية

هذه قراءة أولية لحكم المحكمة الدستورية، موضحا مسائل أساسية فيه، سواء اتفقنا مع المحكمة بشأنها، أو اختلفنا، وهي:

1 – أدى الحكم إلى تحصين الدوائر الانتخابية، وأسدل الستار على فصل الطعون بعدم دستورية هذا القانون، التي قد تقدم بعد الانتخابات، وقد جاء الحكم مبينا بإشاراته عدم جواز الأخذ بنظام الدائرة الانتخابية الواحدة.

2 – ونجد أن الحكم تضمن أمورا انسجمت فيها المحكمة مع قضائها السابق، وهي:

أ) انه لا داعي لفكرة وجود الخصومة في الدعوى الدستورية، وهو ما سبق أن قررته في أحكام أصدرتها في السابق كان آخرها الحكم رقم 2006/13.

ب) ان السيادة وفقا لما حدده الدستور (م 6) لا تعني احتكار سلطة من السلطات لصفة تمثيل الأمة. وإنما كل السلطات تعبر عن سيادتها، وان الرقابة على دستورية التشريع لا تمثل اعتداء على اختصاص السلطتين التشريعية والتنفيذية. وان رقابتها (أي المحكمة) على دستورية التشريع لا تمثل بأي شكل من الأشكال إقحاما للمحكمة في العمل السياسي.

ج) ان رقابتها على المشروعية الدستورية، وانها لا تبحث في الملاءمات الخاصة بإصدار التشريع، ولكن المحكمة لم توفق بحكمها، لأنها لم تنسجم في هذه الجزئية مع حكمها رقم 30 لسنة 2009، الذي صدر في 5 ديسمبر 2011، والذي قررت فيه رقابة الملاءمة.

3 – كما أن المحكمة لم تنسجم مع أحكامها السابقة في الأمور التالية:

أ) قيدت المحكمة نفسها في نظر الطعن من خلال قصره على المادة 81 من الدستور فقط، وهو ما يجعلها قد نظرت بنص هذه المادة بمعزل عن النصوص الدستورية الأخرى، وهذا لا ينسجم مع أحكامها السابقة التي كانت تقرر فيها تكامل نصوص الدستور، وعدم جواز نظرها كأحكام متناثرة، وقد تخلت المحكمة عن حقها في التصدي برقابة الدستورية.

ب) ان المحكمة اعتبرت أن سلطة المشرع بتحديد الدوائر واسعة وفقا لسلطته التقديرية، وهي بذلك خرجت عن سوابقها عن فكرة التخوم التي تقيد المشرع، وهي النصوص والضوابط الدستورية، التي قررها الدستور في كل مواده، وليست في مادة واحدة.

4 – المحكمة لم تفصل بعناصر قدمت لها ضمن الطعن، وهي:

أ) المساس بمبدأ وحدة الوطن والوحدة الوطنية التي انتهكها قانون تقسيم الدوائر، كما ورد في الطعن المقدم من الحكومة.

ب) ولم تفصل بمطعن مقدم بالصحيفة، أساسه الإخلال بمبدأ المساواة في توزيع الناخبين يوم صدور القانون، وليس الأمر مقصورا على تغير الأرقام وأعداد الناخبين عند التطبيق الواقعي، كما ذكرت المحكمة، وبالرغم من أن النص معيب بهذا التوزيع المخل بالتساوي منذ يوم صدوره، وفقاً للجدول المرفق به في حينه، وهو عيب لم يطرأ بتغير الواقع.

5 – المبادئ الجديدة التي أرستها المحكمة، وهي:

أ) أن الدائرة الانتخابية الواحدة ليست جائزة.

ب) ان تقسيم الدوائر يمكن أن يبنى إما على أساس عدد السكان، أو التقسيم الجغرافي.

وأخيرا فإن المحكمة أشارت في حكمها إلى أن ما ورد في صحيفة الطعن من مثالب قد يستدعي قيام المشرّع بتعديل القانون لتلافي تلك العيوب، وهو يجب ألا يغيب عن نظر الجميع مستقبلا، ويبقى القضاء الكويتي والدستوري تحديدا مرجعية مهمة للفصل في مدى دستورية التشريعات، وأحكامها يجب أن تكون محل احترام وتقدير من الجميع، سواء اختلفوا بشأنها أو اتفقوا.

اللهم إني بلغت..

أ. د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.