خالد الجنفاوي: العِلَّة في رفض التعددية

“وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ” ( هود 118 -119).
أعتقد أن علة التعامل السلبي مع آليات الديمقراطية وبخاصة في بعض البيئات الشرق أوسطية تكمن في رواج أحادية التفكير ورفض قبول حتمية التعددية في آراء الناس ومواقفهم. فمن يرفض, على سبيل المثال, حتمية “التعددية” والتنوع الإنساني في بيئته المحلية, بل ويحاول إقصاء الآخرين المختلفين عنه أو التقليل من أهمية آرائهم المستقلة يمارس أحادية تفكير ماضوية لا تتواءم إطلاقاً مع معطيات الديمقراطية الهادفة. فلم يعد عالمنا المعاصر يقبل استمرار بعض الأفراد الأنانيين أو بعض الجماعات المنعزلة طبقياً أو عرقياً أو دينياً أو مذهبياً الاستفراد بأحقية التعبير عن آرائهم, بينما يرفضون السماح لمن يشاركونهم في المواطنة ويخالفونهم في الآراء التمتع بالحرية الديمقراطية وأحقيتهم في الاختلاف. فعالم اليوم هو عالم حرية الرأي والتعبير, بلا قيود مهولة أو مفبركة. وهو أيضاً عالم التعددية الخلاقة التي تهدف بشكل أو بآخر لتمكين الإنسان الفرد والحر من عيش حياة إنسانية متكاملة في بيئة ديمقراطية وآمنة نسبياً.
فأحادية التفكير ورفض الاستحقاقات الطبيعية للتعددية الفكرية والثقافية تعطل التطور الاجتماعي البناء لأن من يعتنقها لا يزال يدور في حلقة مفرغة من الخيارات الضيقة للغاية, فالنسبة لبعض ضيقي الأفق وذوي عقليات التفكير الأحادي, ثمة خياران وحيدان في عالمنا: إما أسود أو أبيض, وإما أنت معي أو ضدي ! ولذلك يصعب جداً التفاهم مع هؤلاء, بل وحتى تحقيق نجاح نسبي في العثور على أرضية مشتركة مع العقلية الأحادية.
يقول المولى عز وجل “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ” ( هود 118 -119). فثمة تفسير للآية الكريمة يشير إلى حتمية الاختلاف والتعددية البشرية. فليس كل الناس على رأي واحد وليسوا جميعهم مرغمين دائماً على قبول التواؤم رغماً عنهم مع عقليات أحادية التفكير ترفض مشروعية التنوع في الأذواق والآراء والمواقف الانسانية. وهنا بالضبط تكمن علة التعامل السلبي والهدام مع استحقاقات الديمقراطية الهادفة: فالبعض لا يزالون يرفضون قبول التعددية الاجتماعية والإنسانية في بيئتهم الوطنية وهم بشكل أو بآخر يعرقلون التطور الاجتماعي الطبيعي لأنهم يحاولون بشكل أو بآخر نزع المشروعية الأخلاقية من أولئك الذي يعارضونهم في الرأي. فلعل وعسى.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.