على مر التاريخ كان هناك التباس تجاه مواقف بعض من يشغلون المراكز الأولى في السلطة، فهاهو هارون بن محمد (الرشيد) من أكثر أمراء الدولة العباسية جهادا وغزوا واهتماما بالعلم والعلماء، لكن سيرته تعرضت للتشويه على يد خصومه التاريخيين وتحولت إلى عكس حقيقته، باعتباره أميرا لا هم له سوى الجواري والخمر والسكر، رغم أنه الخليفة الذي يحج عاما ويغزو عاما.
وهاهو أيضا السلطان عبدالحميد يطلق عليه السلطان الأحمر أو القاتل الكبير رغم دوره التاريخي في رفض تسليم فلسطين إلى اليهود، ومحاولته الحفاظ عليها، ورغم ما اشتهر به من مزايا أخرى من بينها تطوير المشهد السياسي في بلاده، وإقرار أول دستور ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في دولة لم يسبق لها أن أقرت مثل هذا النهج الإصلاحي.
الشيخ عبدالله السالم ـ رحمه الله ـ تعرض هو الآخر لتشويه تاريخه من جانب بعض أطراف الإقليم ممن يرون في مشروعه الديمقراطي خطرا عليهم، كما تعرض لحملة من التشويه من جانب بعض القوى المتنفذة التي تعتبر إصلاحاته الداخلية خطيئة لا تغتفر، رغم أنه من الأمراء القلائل في التاريخ ممن يملكون نزعات إصلاحية ورغبة في التجديد والتطوير، وبمراجعة سريعة لسيرته سنجد الكثير من المآثر الإصلاحية، أبرزها الحفاظ على أملاك الدولة.
ما ينقل عن أمير أو أحد الذين يشغلون المراكز الأولى في السلطة لا يعني أنه حقيقة، خاصة إذا ما عرفنا أن هناك خصوما يقفون بالمرصاد إذا مست مصالحهم بشكل مباشر، ويعملون بكل ما أوتوا من قوة على إفشال أي مشاريع إصلاحية يمكن أن تسلبهم نفوذهم وقدرتهم على التأثير في الساحة، فكلنا يتذكر العبارة الشهيرة التي نقلت عن ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة لويس السادس عشر عندما تجمع بعض الفلاحين حول سور منزلها «إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء دعهم يأكلون كعكا».
هناك في كل مرحلة تاريخية مستفيدون من أوضاع معينة ويريدون بقاءها على ما هي عليه، ولا يعني ذلك أنهم على حق والآخرون ليسوا كذلك، فالحقيقة نسبية، وظاهر الأمور ليس كما هو باطنها، وستجد من يملك القدرة على لي عنق الحقيقة وتوظيفها بعد ذلك لتشويه سمعة أمير أو مصلح، ويبقى أن هناك مسؤولية تاريخية على الشعوب للتحقق مما يروج من إشاعات تجاه هذا الأمير أو ذاك فالأمثلة التاريخية تدعونا إلى مثل تلك الخطوة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق